الشعب اللبناني غاضب ومحبط وحزين، وكيف لا يكون وهو شعب منكوب بكل معنى الكلمة وقد شهد انهيار بلده واقتصاده ودولته ومؤسساته وتسرب الجوع إلى فئاته المهمشة والضعيفة وتهافت أبنائه ونخبته وكفاءاته على الهجرة أو (في أسوأ حالات اليأس) على أخذ مراكب الموت طمعا في أرض واعدة وراء البحار؟؟
والغضب يمكنه، لا شك في ذلك، أن يكون قوة تغيير مدهشة شهدنا فعلها الهائل على أثر اغتيال حزب الله والنظام السوري للرئيس الشهيد رفيق الحريري، إذ تحولت انتفاضة الأرز إلى العاصفة التي أخرجت الاحتلال الأسدي من لبنان، فقدمت بذلك مثالا فريدا على تحويل الغضب إلى قوة تغيير جارفة بل إلى عامل يبدّل مجرى التاريخ..
لكن غضب اللبنانيين إزاء اغتيال شهيدهم الكبير كان يمكن أن يتبدد في إيام حسب رهان المجرمين وتتبدد معه فرصة الخلاص لولا تقدم وليد جنبلاط قبل أن يجف دم الشهداء لإعلان ثورة الأرز وجمع أركانها في قريطم وصياغة مطالبها واستنهاض قادة العالم لتأييدها، وهو حافظ على زخمها وشعلتها المتّقدة إلى أن آتت ثمارها في تلك المشاهد التي لا تنسى لشاحنات وآليات النظام السوري وهي تغادر لبنان وسط فرحة المواطنين..
لكن بالمقارنة مع الغضب الساطع لثورة الأرز فإننا، على أبواب الانتخابات النيابية، نواجه غضبا حائرا عاجزا عن تعيين الخصم وصياغة الأهداف ومفتقدا لقيادة، لهذا فإنه غضب لا يخيف أحدا بل أنه هو الغضب الذي عمل الطامعون بالبلد على إيقاد ناره بهدف استثارة الناس ضد بعضهم البعض وتيئيسهم وتهجيرهم واستعباد ضعفاء النفوس منهم..
وفي المؤامرة الخبيثة المرسومة للسيطرة على وطننا جرى تدمير البلد ونظامه واقتصاده وإفقار شعبه بحيث لا يبقى للبنان التاريخي أي مقومات أو شرعية يستند إليها وتبرّر استمراره، لكن جرى في الوقت نفسه اغتيال القيادات الشجاعة التي برزت خلال انتفاضة الأرز واحدا تلو الآخر بحيث لا تكون هناك قيادات يمكنها جمع الناس على ثورة ضد الاحتلال الإيراني مثلما تمكنت القيادات الوطنية من تعبئة الجماهير ضد الاحتلال البعثي السوري في العام ٢٠٠٥، وهذا الاستئصال الإيراني المنهجي للقيادات وجو الإرهاب الذي فرض على البلد هو السبب الحقيقي الذي يتيح الآن لبعض هواة السياسة والطامحين الصغار تقديم أنفسهم باعتبارهم “الأمل الواعد” بتحقيق الخلاص وهم في الحقيقة البدائل الشاحبة التي لا يمانع المحتل في توظيفها لشق صفوف الوطنيين، فهو قادر على احتوائها بالترغيب والترهيب في ما لو حققت خرقا على حساب المرشحين الوطنيين والمهم في حسابات المحتل هو أن القادة الذين كانوا سيقضّون مضجعه تمت تصفيتهم (بينما يستمر التهديد بالقتل يلاحق القادة الباقين).
ونحن نسأل: من من هؤلاء القادمين من ليل المحنة كان سيجد الجرأة ليقدم نفسه لو كان جبران تويني أو سمير قصير أو جورج حاوي أو بيار أمين الجميل أو محمد شطح أو وليد عيدو أو غيرهم من أبطال النضال الوطني بين الأحياء اليوم؟؟
٢٨ نيسان ٢٠٢٢
بقلم رشيد حسن