مقالة سياسية مميزة و تاريخية تتضمن حقائق و مواقف . كما فيها رؤية ورسالة سياسية . ليس بالضرورة تعبر عن وجهة نظر اللقاء . ومنبر اللقاء المعروفي ينقل ما ورد اليها بكل موضوعية ومصداقية ونشرها بعد موافقة الكاتب
كتب الاستاذ رشيد جنبلاط
هل حزب الله ومحوره محور “مقاومة” كما يدعون؟!
عندما صرح وزير الخارجية اللبنانية بالصوت والصورة من شاشة تابعة كليا لما يسمى ب”محور المقاومة” وهي قناة “الميادين” باعترافه بدولة إسرائيل، ليس إسرائيل، بل “دولة” إسرائيل، وعندما اعترف أن لا خلاف أيديولوجي مع الصهيونية، لم نسمع تصريحا واحدا شاجبا، لا من حزب الله ولا من السيد حسن ولا من جميل السيد ولا من سوريا ولا من إيران!
وعندما أعلن رئيس الجمهورية اللبنانية في القمة العربية “تبنيه” حل الدولتين في فلسطين، أي دولة إسرائيل ودولة فلسطين، لا إسرائيل، بل “دولة” إسرائيل، وليس فلسطين، بل “دولة” فلسطين في “قسم” من فلسطين، مطالبا بتقسيم القدس بحيث تكون القدس الشرقية عاصمة ل”دولة” فلسطين والقدس الغربية عاصمة ل”دولة” إسرائيل، لم نسمع تصريحا شاجبا، لا من حزب الله ولا من السيد حسن ولا من جميل السيد ولا من سوريا ولا من إيران!
والمضحك أن رئيس الجمهورية ووزير الخارجية اللبنانيين هما من أقاما الدنيا ولم يقعداها عندما قرر الرئيس الأميركي ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة ل”دولة” إسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس “الغربية”! أليس وزير الخارجية اللبنانية من اعترف بحق إسرائيل بالوجود الآمن، أوليس رئيس الجمهورية من تبنى الإعتراف بالقدس “الغربية” عاصمة ل”دولة” إسرائيل؟ السفارة الأميركية التي رفضا قرار نقلها، تم نقلها إلى القدس “الغربية”، أي عاصمة “دولة” إسرائيل التي طالب بها رئيس الجمهورية اللبنانية “المقاوم”… ما هذا التناقض المضحك، وما هذا التكاذب المعيب، وما هذا الرئيس “المقاوم” الخبيث، وما هذا الصمت المريب ممن يدعي المقاومة؟!
ولكن، عندما قام وزير الخارجية اللبنانية بالمطالبة بلوح صخري على نهر الكلب بتاريخ جلاء ما دعاه “الإحتلال” السوري، قامت الدنيا عليه ولم تقعد، من سوريا ومن أبواق حزب الله وزقيفتهم، ومن جميل السيد!
من جهة أخرى، عندما غرد وليد جنبلاط منتقدا التدخلات الإيرانية في لبنان، لم يكتفي من يدعي “المقاومة” ب”إفلات” نباح الأبواق والزقيفة، بل قام السيد بنفسه بالسخرية وب”رفع إصبعه” متوعدا ومهددا… مش لوليد جنبلاط بترفع أصبعك متوعدا يا سيد حسن، بل إرفعه بوجه وكالة أنباء فارس التي “كذبتك” في اليوم التالي، معترفة ب”سيادة” قرار دولتها الإسلامية على لبنان!
ليت إصبعك ارتفع ووعيدك توجه إلى من خرق الدستور وخان دماء الشهداء إن كان من خلال إعترافه بحق إسرائيل بدولة آمنة وبأن لا خلاف أيديولوجي للبنان مع الصهيونية، أو من خلال المطالبة بتقسيم فلسطين وتقسيم القدس على أن تكون بقسمها الغربي عاصمة ل”دولة” إسرائيل… هذا ما كان متوقعا من سماحتك لو كانت أولويتك “مقاومة” الصهيونية واغتصابها أرض فلسطين واعتداءاتها على لبنان، بدلا من أن تكون أولويتك محام عن إيران الثيوقراطية وسوريا البعثية!
يا سيد حسن، هذا الذي رفعت أصبعك تتوعده دفاعا عن إيران هو من أسقط إتفاق 17 أيار الإستسلامي مع المحتل الصهيوني، وذلك بالتحالف العضوي والسياسي و”الأيديولوجي” والإجتماعي مع أولاد عمنا في أفواج المقاومة اللبنانية – أمل، قبل أن يتأسس حزبكم، وعندما كنتم سماحتكم ما زلتم تطلبون العلم في الحوزة العلمية.
والمضحك، أن هذا الذي توعدته، كان ورفاقه – رفاقي – يقاتلون ويستشهدون لإسقاط إتفاق الذل بوجه من جعلته سماحتك وبقرار منك رئيسا على لبنان! فهل بوصلتك يا سيد حسن هي بوصلة العداء لإسرائيل أم مصالحكم السياسية التي لا مبادئ لها ولا قيم؟!
لقد جعلتم من وليد جنبلاط، صاحب النصر الكبير على المشروع الإسرائيلي، وفاتح طريق المقاومة أبان الحصار الإسرائيلي، والمقاوم في بيروت أبان الحصار والتدمير الإسرائيلي لها، وإبن الشهيد كمال جنبلاط شهيد القضية الفلسطينية والسيادة اللبنانية، ورئيس حزب المقاومين والشهداء والمناضلين، وسليل دارة العزة والأرز والعروبة؛ جعلتم منه حاخاما صهيونيا عندما عارضكم بالسياسة، بينما من تعاون مع إسرائيل أبان الإجتياح وتصريحاته وتصريحات صهره اليوم الداعمة لإسرائيل، جعلته نورا لعيون سماحتكم… هل هذا النور لعيون مقاوم أم لعيون حزب سياسي لديه كجميع الأحزاب مآرب وهدف الوصول إلى السلطة على حساب المبادئ والقيم من منطلق أن “السياسة هي فن الممكن”؟!
بعد خطابكم الناري يا سماحة السيد، ووعيدكم برفع الإصبع وسخريتكم من الأنتانات (الهوائيات)، قابلكم وليد جنبلاط بتغريدة تدعو إلى الحوار، كما قابلكم العبد الفقير بمقالة دافعت عن موقفكم وبررته. ولكننا فوجئنا بزبائنيتكم، من الإعلاميين والسياسيين ورؤساء الأحزاب، يقرؤون موقف وليد جنبلاط على أنه دليل ضعف، لا دليل وعي وإكرام واحترام، فتمادوا وصموا آذاننا بنباحهم وزعيقهم وخوارهم، فصح بهم المثل الإعرابي لأبو الطيب المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
وقبل أن ينبري أحدهم ويبرر إيصال العملاء إلى الحكم باتهامنا بالمساومة بتحالفنا مع القوات اللبنانية، إليكم الحقائق التالية، حيث نحن من كنا نحاربهم وندرسهم، ألا تدرس عدوك لتستطيع مواجهته؟ نعم، نحن الذين كنا نحاربهم قبل أن توجدوا أنتم على الساحة، وكانت حليفتنا، وما زالت، حركة أمل. كنا نحاربهم كذلك عندما وصلت القيادة لسمير جعجع، حينها كنتم أنتم تحاربون إخوانكم وحلفائنا في حركة أمل. ولكننا، كما حاربناهم وحاربونا بشرف، وجها لوجه، بالسياسة والبندقية، صالحناهم وصالحونا بشرف ووجه لوجه بالسياسة والإنتخابات والعلاقات الإجتماعية. وعليه، إليكم هذه الحقائق:
١) عندما تحالف بشير جميل مع إسرائيل، كان مرغم أخاك لا بطل، لم يجد من يبيعه السلاح، فاضطر إلى شرائه من عدوه وعدو حزبه المسيحي اليميني المتطرف الذي أخذ مسماه “الكتائب” من “الفلانكي” (Falange) الإسبانية الفاشية المسيحية الداعمة للعسكر والكارهة لليهود لأنهم صلبوا المسيح. وكانت حاجته وجودية لا دفاعية فحسب، فلجأ إلى أعداء أعدائه إسرائيل. ولكن، ما لا أفهمه، ما كان مبرر إيران الثورة الإسلامية من شراء سلاح من إسرائيل، ولم تكن الحاجة وجودية؟ علما أن إيران الإسلامية إشترت هذا السلاح الإسرائيلي لمقاتلة المسلمين العرب، رغم أن حكم ولاية الفقيه معتمد أصلا على الجذور العربية لأنه سيد، أي من سلالة الإمام علي إبن عم رسول الله (ص) والسيدة فاطمة الزهراء إبنة رسول الله (ص)، العرب الأقحاح وأسياد المسلمين. وقد اشتهرت هذه الصفقة عالميا بما سميت فضيحة “إيران غايت” (Iran Gate). أتسامحون المرحوم الإمام الخميني وتصرون على المضي في مدرسته، وتتهمون مواطنكم اللبناني بالخيانة بحجة “العداء لإسرائيل”؟ هذه هي مبادئ وقيم وصدقية ونزاهة “المقاومة”؟!
٢) نحن من كان يراقب ويتجسس على القوات اللبنانية أبان الحرب لأنهم كانوا أعداءنا المباشرين. وقد إكتشفنا بالدليل القاطع أن الممثلية الإسرائيلية في المناطق الشرقية آنذاك كانت في ضبية. وبقيت هذه الممثلية حتى وصول سمير جعجع إلى سدة قيادة القوات اللبنانية، فكان خلافه حاد مع الإسرائيليين وقام بإغلاق الممثلية في ضبية وقطع علاقات القوات اللبنانية كليا مع إسرائيل. وقد وصلت إلى مصادرنا الأمنية وثائق ومراسلات مهمة، إحداها من الإستخبارات الإسرائيلية لأحد السياسيين اللبنانيين المسيحيين الذين كان لديهم عداء مع القوات عامة وجعجع خاصة في المناطق الشرقية. ولن أنسى الجملة المترجمة والتوضيح: “إن سمير جعجع وجماعته (موارنة الشمال) يكنون كرها للعرق اليهودي، وهم بامتياز معادين للسامية”! بينما من جهة أخرى، الرجل الأول لإسرائيل في القوات اللبنانية آنذاك وبطل مجازر صبرا وشاتيلا كان إيلي حبيقة الذي تحالفتم معه في لائحة واحدة في بعبدا في تسعينيات القرن الماضي، ومعكم الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي اغتال بشير جميل بحجة العمالة!!! لقد تعودنا على هذه السياسات الملتوية وادعاءات “الطهارة” الملوثة خصوصا عام 1958، عندما تحالف حزب الإغتيالات هذا مع حلف بغداد بقيادة أيزنهاور وكميل شمعون ومجيد أرسلان، اللذين ساهما في إعدام زعيمهم أنطون سعادة، بوجه حلف الصمود والتصدي ضد إسرائيل بقيادة جمال عبدالناصر وكمال جنبلاط، المدافع الوحيد ضد إعدام زعيمهم سعادة آنذاك!
٣) نحن والقوات دخلنا في اتفاق الطائف الذي أساسه تسليم السلاح والمصالحة، وإلا لماذا سلمنا سلاحنا وحلينا جيشنا الشعبي، جيش المناضلين والشهداء؟ ولماذا هم سلموا سلاحهم وحلوا قواتهم العسكرية التي قدمت آلاف الشهداء على مذبح قضيتهم؟ فكان تأخير المصالحة لأسباب سورية أدت إلى سجن قائدهم وملاحقة وقمع مناصريهم والمنتمين لهم. وعند اللحظة المناسبة، بعد التحرير عام 2000، قمنا بالمصالحة الحقيقية مع كبير موارنة الشرق ورمز مسيحييهم، بطريرك الموارنة. وعند اللحظة المناسبة كذلك، وقبل اغتيال رفيق الحريري، وبوجود السوري ورفضه لأي تقارب، قام وليد جنبلاط بزيارة منزل سمير جعجع، ووقع على عريضة تطالب بحريته، صالحه متحديا البطش السوري وهو ما زال مسجونا بقرار سوري، فكان وفيا للطائف ولما وعدنا به من أجل لبنان عندما أقنعنا بتسليم سلاحنا ودفن أمواتنا ومد يدنا إلى المختلف الآخر لبناء وطن التعددية الفكرية والسياسية والثقافية والإثنية والحزبية. أما أنتم، فإنكم لم تعترفوا بالطائف، وقد أعلنتموها ببيان رسمي، ولم تسلموا سلاحكم. ومن جهة أخرى، العونيين لم يعترفوا بالطائف ورفض قائدهم تسليم سلاحه، وبقي يحارب مغتصبا السلطة حيث لم يجزر بالمسلمين فحسب، بل جزر بالمسيحيين الذين أرادوا المصالحة ومد اليد للآخر المسلم، وبقي كذلك حتى هزم هزيمة نكراء وهرب من لبنان. فما هي حجتكم في التحالف معه؟ على أية أسس علمية تحالفتما؟ هو لم يتبنى قضيتكم، ويعبر هو وتياره وصهره عن ذلك كل يوم، وما قالاه عن إسرائيل والقدس وما عبر عنه الصهر المعجزة على لوحة الجلاء أكبر دليل على ذلك. ما زالوا يعيشون فترة ما قبل الطائف من لغة الحرب الأهلية التي قسمتنا غربية وشرقية. لم يتفقوا معكم إلا على سوريا وإيران ضد السعودية ومصر، بالنسبة لهم ولعقليتهم المتجمدة في ثمانينات القرن الماضي، “الكلب خي الواوي”، إن وقفوا مع سوريا ضد السعودية أو مع مصر ضد إيران أو العكس، كلهم مسلمون لا يعنون لهم شيئا إلا مصالحهم السلطوية في لبنان. فهل أنتم من تبنيتم قضيتهم؟ أم هي مصالح سياسية على حساب المبادئ؟ أم انتقلتم إلى معسكر الشرقية أبان الحرب الأهلية وقد أصبحنا اليوم جميعنا أبناء كل الوطن لبنان بوحدته حيث يتعلم ويعمل محمد بالشرقية ويتعلم ويعمل طوني في الغربية؟ إن كانت المصالح التي تحرككم وترسم سياساتكم، فالمقاومة لا تتفق مع المصالح، لأن المقاومة تضحية ودماء ومبادئ وقيم، لا مصالح ومساومات… إلا لأجل الوطن!
فيا سيد حسن، لقد توقفت المقاومة الوطنية “جمول” بقرار سوري وباتفاق إيراني سوري ليعطوكم إحتكار المقاومة، فتوقفت مقاومتنا المسلحة وتحولت إلى مقاومة سياسية كانت قمتها إتفاق الطائف وتسليمنا لسلاحنا. أما أنتم، فقد توقفت مقاومتكم بعد القرار الأممي 1701 عام 2006، أي منذ حوالي 12 سنة ونيف. فلماذا ما زلتم تحتفظون بسلاحكم؟ تقولون للردع وتهددون إسرائيل بالويل والثبور إذا تجرأت واعتدت على لبنان. لكنكم لستم ردعا ولا رادعا، بل أنتم تدعون أنكم “مقاومة مسلحة بوجه المحتل”، إذن قاوموا، ما زالت إسرائيل تحتل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الأكبر من قرية الغجر والقرى السبع، هيا قاوموا لتحريرها من المحتل لتعود جميع الأرض اللبنانية إلى كنف السيادة اللبنانية بال10452 كلم مربع… ألا تدعون أنكم مقاومة؟!
أما أن تتحججوا يا سيد حسن بالقرارات الأممية، فلم تعترفوا بها يوما، ولم تلتزموا بها يوما، وتسخرون منها، وتصرحون على أهمية سلاحكم لأنه الوحيد الكفيل بمواجهة إسرائيل لا الشكوى إلى مجلس الأمن الدولي السخيفة التي لم تردع العدو يوما، فلماذا لا تمارسون مقاومتكم رغم أن إسرائيل قد خرقت القرارات الدولية مرارا واعتدت على حليفكم السوري من الأراضي اللبنانية، لماذا لم تواجهوا هذه الخروقات، حيث أنكم تدعون أنكم مقاومة؟!
أما أن تتحججوا يا سيد حسن بالموقف السياسي للداخل اللبناني، فهي حجة واهية لم تردعكم يوما من اتخاذ القرار المقاوم رغم اعتراض أكثرية أعضاء الحكومة والمجلس النيابي. علما، أنه لا توجد في التاريخ مقاومة نالت إجماع شعبها. فالمقاومة الفييتنامية كانت تعاديها سلطات فييتنام الجنوبية الموالية للأميركيين، وكوريا انقسمت لأن نصفها كان معارضا للمقاومة. والمقاومة الأشهر في الغرب وهي المقاومة الفرنسية، كان نصف الفرنسيين بقيادة حكومة فيشي الفرنسية وشرطتها ودوائرها الموالية للنازيين المحتلين، ضدها. وفي لبنان، عندما قاوم قسم من اللبنانيين الدخول السوري عام 1976، القسم الآخر كان مواليا له. وعندما انقلب هذا القسم وأصبح معاديا للوجود السوري، القسم الآخر دعم السوري، وهكذا كان الوضع مع منظمة التحرير الفلسطينية والعدو الإسرائيلي والقوات المتعددة الجنسية بقيادة الولايات المتحدة التي كانت مدعومة من فريق لبناني كان على رأسهم وبقيادتهم من تبنيتموه أنتم وأجلستموه على كرسي الرئاسة. فلماذا لا تنخرطون في عمليات مقاومة لدحر المحتل عن أرضنا، ألستم مقاومة؟!
لا يا سيد حسن، منذ انتهاء عمليات المقاومة عام 2006، لم تستخدموا سلاحكم في مقاومة إسرائيل، بل توجهتم به إلى الداخل اللبناني عام 2008، بحجة استخدام السلاح للدفاع عن السلاح (الفن من أجل الفن)، حيث فقد علة وجوده كوسيلة لهدف واحد لا ثاني له، ألا وهو تحرير أرض الوطن من رجس الإحتلال الصهيوني، وأصبح بحد ذاته هدفا لا وسيلة، ففقد ماهيته وجوهره. أصبح وسيلة ضغط سياسية بوجه خصومكم المحليين، ووسيلة ذات أجندات جيوستراتيجية تخدم مصالحكم الإقليمية مع دول محوركم لمواجهة أعداء هذا المحور لا أعداء الوطن. أصبح سلاحا إمبرياليا وتوسعيا لخدمة مآرب دول محوركم الإقليمية على حساب الوطن. والآن تستخدمونه يا سيد حسن متكأ لإصبعكم الذي ترفوعنه بوجه خصومكم المحليين متوعدين!
يا سيد حسن، نحن الثوار اليساريين كنا نردد جملة حفرت حفرا في عقولنا: “البندقية الغير مسيسة هي بندقية فوضوية”، وقد أكمل تفسيرها شهيد الثورة الفلسطينية خليل الوزير (أبو جهاد) معتبرا أن البندقية الفوضوية هي بندقية قطاع الطرق التي تشعل الفتن وتخدم العدو. إن توقفكم عن استخدام بندقيتكم بوجه المحتل الصهيوني يا سيد حسن، وانخراطكم في اللعبة الإقليمية وتحديكم الدول العربية بالعضلات البعثية والإيرانية في سوريا واليمن، وسخريتكم من دول وحكومات وملوك وأمراء، وتعبيركم عن الزهو بانتصاراتكم أمام خساراتهم، هي التي أدت إلى شعورهم بالحصار المذهبي والعرقي وبالمهانة لكرامتهم وبالخوف على وجودهم ومستقبلهم، فقفزوا في أحضان العدو… إنها نتيجة البندقية الغير عقلانية والفوضوية التي فقدت قضيتها وابتعدت عن هدفها فأدت إلى خدمة العدو!
ولا تكرر قولك يا سيد حسن أن ما كان بالسر أصبح في العلن، فدولة قطر أرتنا استقبالاتها لوزيرة خارجية العدو الإسرائيلي آنذاك ستيفي ليفني قبل العام 2006، ورغم ذلك، قدمت لكم المساعدات المالية بعد عدوان العام 2006، وقلتم لها بملء حناجركم “شكرا قطر”، ولم تعبؤوا بتعاملهم مع العدو الصهيوني، كما تغضون الطرف عن مواقف الرئيس الذي أتيتم به المتعلقة بتقسيم فلسطين وتقسيم القدس وجعل غربها عاصمة الصهاينة، ومواقف الوزير الذي أتيتم أنتم كذلك به والمتعلقة بحق إسرائيل بدولة بحدود آمنة وأن لا عداء له مع الأيديولوجية الصهيونية. يا خوفي يا سيد حسن أن يكون تمسككم بالسلاح والأتيان بهذا التيار وبمواقفه ما هي إلا وسيلة للإمساك بالسلطة بقوة السلاح وشرعية الدولة تمهيدا للدخول في مفاوضات سلام مع العدو الصهيوني. ولا تتحجج يا سيد حسن بشهداء المقاومة وبالمعارك وبالمواجهات، فقد علمنا التاريخ أن من يدخل في مفاوضات السلام هو الأكثر إدعاءا وتاريخا بمواجهة الذي يفاوضه. إن الذي وقع سلام مصر مع العدو الإسرائيلي هو بطل حرب أكتوبر المنتصر على إسرائيل، أنور السادات، رغم أن مصر هي أكثر دولة عربية دفعت ثمن حروبها الثلاثة مع إسرائيل. والذي وقع سلام الفلسطينيين مع العدو الإسرائيلي هو مؤسس المقاومة الفلسطينية ورأس حربتها الذي قاتل إسرائيل في مصر والأردن ولبنان، ياسر عرفات (أبو عمار)، رغم احتلال إسرائيل لأرضه ووطنه فلسطين ورغم عشرات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل من منظمة التحرير. فلا عجب إن كان المخطط هو التمهيد لمفاوضات سلام مع إسرائيل تكون سماحتك رأس حربتها… فمواقف من أتيت بهم أنت يا سيد حسن إلى السلطة تدل على ذلك!
ونأتي يا سيد حسن إلى موضوع تشكيل الحكومة التي تأخرت أربع أشهر من جراء مواقف وليد جنبلاط، وامتدت إلى الشهر الخامس من جراء مواقف سمير جعجع. ولكنك يا سيد حسن أعلنت جهارا موقفك بعدم المساومة وعدم التنازل ولو لم تتألف حكومة ولو أخذت الدهر كله، ولم ترتبط بتاريخ معين. موقفك الصلب هذا يا سيد حسن لسبب لا أبعاد عقائدية له إلا عرقلة تشكيل الحكومة ونحن على حافة الإنهيار، يذكرني بقصة حقيقية للملك سليمان الحكيم: كانت هناك سيدة غنية حامل، وكانت زوجة أحد خدمها حامل كذلك. وولدتا الإمرأتين في نفس اليوم، فخلق رضيع السيدة الغنية ميتا، بينما خلق رضيع زوجة الخادم بصحة جيدة. فغضبت السيدة الثرية، كيف يموت رضيعها ويحيا إبن الخادم؟ فذهبت برضيعها الميت وأعطته لزوجة الخادم وانتزعت الرضيع الحي من أحضان والدته وأخذته لنفسها وأتت بخدمها وطردوا الأم وزوجها. فذهبت الأم الباكية تشكو أمرها للملك سليمان الحكيم. فاستدعي الملك سليمان المرأة الغنية والرضيع الحي. وعند مواجهتهما وإصرار كل منهما أن الرضيع الحي هو إبنها، وحيث أن الإثنتين ولدتا بنفس اليوم وفي ثدييهما حليب للرضاعة، لم يستطع الملك سليمان أن يعرف الصادقة بينهما. فطلب تسليمه الرضيع وقام باستلال سيفه القاطع وقال للإمرأتين بأنه سوف يقطع الرضيع إلى نصفين ويعطي كل نصف لإحدى الإمرأتين، وبذلك يكون قد عدل بينهما. فوافقت السيدة الغنية على الفور، أما الأم فقد صرخت صرخة عظيمة ورفضت هذا الحكم وادعت أنها كاذبة وأن الرضيع هو إبن سيدتها وذلك كي لا يموت إبنها. لقد ضحت بحقها وكذبت لتواجه حكم الكذب والإفتراء فقط كي يحيا إبنها. حينها عرف سليمان الحكيم من هي الأم الحقيقية. وعليه، عندما جوبه وليد جنبلاط بتعنت حلفائكم في الحكم لغاية في نفس يعقوب، قرر أن يتنازل عن حقه ويواجه غضب أنصاره وشماتة خصومه حفاظا على مصلحة الوطن وخوفا على مصيره في ظل الأزمة الإقتصادية الحادة. كذلك فعل سمير جعجع عندما واجه نفس التعنت من نفس الجهة لغاية في نفس يعقوب، فتنازل هو الآخر عن حقه وواجه ما واجهه جنبلاط حفاظا على مصلحة لبنان. بينما سماحتك ترفض التنازل ولو خرب البلد الذي تدعي أنك من دفعت الدماء من أجل بقائه حرا وعزيزا. وبذلك يا سيد حسن، يكون كل من جنبلاط وجعجع هما “أم الصبي”!
أرضنا ما زالت محتلة يا سيد حسن، أين علة وجود المقاومة بمقارعة المحتل لتحرير الأ ض؟! أرضنا ما زالت محتلة يا سيد حسن والمقاومة متوقفة من 12 سنة ونيف، فما جدوى السلاح وما جدوى المقاومة؟! إلا إذا كان السلاح لمآرب سياسية والمقاومة مطية لفظية لغايات سلطوية!
وقبل الختام، أعتذر من قرائي لعدم ذكر قائدي في توقيعي كما عودتكم، كي لا يتحمل وحزبه وأنصاره وجماهيره وزر كتابي هذا الذي أتحمل وحدي تبعاته، فهو يعبر عن رأيي الشخصي لوحدي بامتياز.
وفي الختام، وبعد كتابتي لبعض التعليقات الناقدة والمهاجمة لما يدعى “محور المقاومة” قبل كتابي هذا لجس النبض، طالعني موقفين من جماهيركم يا سيد حسن. الموقف الأول ادعى أن انتقاداتي وتهجمي ليسوا إلا وسيلة لنيل الشهرة رغم أن حزب الله “مش قاريني”. أما الموقف الثاني فهو أنه يجب وضع حد لانتقاداتي وتهجمي كي “أعرف حجمي”.
إذا ردة فعلكم يا سيد حسن ستكون كما ادعى الموقف الأول، فإنني أشكر الله وأحمده أنني أستطيع أن أستكمل التعبير عن آرائي بحرية من دون أية تبعات لأنكم “مش قارييني”.
أما إذا ردة فعلكم يا سيد حسن ستكون كما ادعى الموقف الثاني، فإنني على علم يقين أنكم تسيطرون على العسكر وعلى جزء كبير من أجهزة الأمن، كما يسيطر حليفكم في السلطة على القضاء وعلى الجزء الآخر المتبقي من أجهزة الأمن. كما أعلم أن تاريخ حليفكم في السلطة مشهود له بإلغاء الرأي الآخر ولو أتى من بيئته، كما حليفكم الإقليمي يمتلك خبرة عقود من وسائل القمع والتعذيب. فإذا قررتم اتخاذ هذا المنحى كي “أعرف حجمي”، فالرحاء العلم أن هذا المنحى قد يؤذي جسدي، لكنه لن يستطيع أبدا إيذاء روحي وإرادتي، بل سأزداد صلابة وعنادا، وستترسخ في نفسي أهدافي وتصبح أكثر وضوحا وانعتاقا وانطلاقا!
وأنا على علم يقين يا سيد حسن أنكم تمتلكون منظومة عسكرية وأمنية قديرة وقادرة، وأن لدى أحد الأحزاب المحلية الحليفة لكم تاريخ حافل بعمليات القتل والإغتيال، كما لدى حليفكم الإقليمي باع طويل وخبرة عميقة في عمليات القتل والإغتيال. فإذا قررتم سماحتكم أن تلجؤوا إلى هذا الحل كي “أعرف حجمي”، فالرحاء العلم أنني أنتمي إلى بيئة قدرية تردد عن قناعة وإيمان قولها الشهير: “إبن عشرة ما بيموت إبن تسعة”. كما تقابل الموت بتعبير: “الله يرحمو، خلصوا الزيتات”. بالنسبة لنا يا سيد حسن، الموت حق، وما هو إلى مرحلة انتقال الروح من جسد إلى آخر، حيث تتجدد دائرة الحياة من قميص بالية عتيقة إلى قميص فتية ونضرة تستطيع استيعاب الروح الخالدة التي لا تشيخ، إلى أن يستدعيها خالقها في يوم الدين. وأفضل من عبر عن طبيعة بيئتنا وناسنا وتاريخنا ومعتقدنا هو أحد أهم شعراء الوطن من خارج بيئتنا حيث عاش بين ظهرانينا لعقود فأصبح كأنه واحد منا، وهو الراحل الكبير الشاعر والأديب مارون عبود، الذي كتب فينا أدق شعر يصفنا بتفاصيلنا، حيث ختمه بهذين البيتين اللذين يختصران نظرتنا إلى كرامة الحياة واحتضان الموت:
وإذا تنمر طارئ صاحوا به
أبشر، فإن السيف حي يرزق
نحن الألى هان الممات عليهم
الروح تبقى والقميص يمزق
ومسكها في ختامها وختامها في قول أشرف خلق الله:
“أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” صدق رسول الله (ص)
رشيد جنبلاط
لبنان ربي والأرزة هيكلي والكمال معلمي والحق منارتي
24 تشرين الثاني 2018