“مَسْلَكيَّة المُوحِّدين المَعروفيين، والصِّفات الخُلُقيَّة التي يتمتَّعون بها”
مُحاضَرة ألْقَتها المؤرخة الدكتورة مُفيدة عابد في الولايات المُتَّحِدة الأميركيَّة في مؤتمر الجالية المعروفيَّة.
فلوريدا- ميامي
20-06-2006
أيُّها الأحبَّة، من لبنان أتَيْتُ إليكم، أحْمِلُ من نَفَحَاتِ أرزِه وهوائِه..
ألف تحيَّة، يا أبناء وطني في بلاد الإغتراب..أنتُم تَحمِلون جذور الأصالة العربية..
وأنِّي أشْكُر جميع القيِّمين على هذا المؤتمر، على الدعوة الكريمة المُهمَّة.
إنَّنا نَقِف مع هذه الوجوه الكريمة المُتعَطِّشة إلى العلم والمعرفة التوحيديَّة والمُتميّزين بها..
وإنَّهُ لَفَخْرٌ لي واعتزاز أن أتَكَلَّم عن مَسلك المُوحدِّين المَعروفيين- أجدادنا الأقدمون وصفاتهم المثلى، وقد بنوا على أساسه كرامَتِهم وعِزَّتهِم ومَسلكيَّتهِم الخُلُقيَّة وتَقرُّبِهِم إلى الله تعالى.
هذا التُّراث الكامن هو مصدر شهامة وتعالٍ لطائفة المُوحدِّين وإلى الأبد، التي استَلهَمَت الأخلاق الرَّفيعة والدَّعوة السماويَّة الخالدة بمهداة العقل النيِّر والفكر الثَّاقِب الرَزين، ورَكَّزت على أساسِها مَجْدِهِم وصَون كرامَتِهِم.
إنَّ المُوحدِّين هُم دُعاة المذهب التوحيديّ وحماتِه.
كانوا حُماة الأرض والشعب، بل كان ارتباطهم بأرضهم مُساويًا لحياتهم التي بذلوها في سبيل مضمارين اثنين: الحفاظ على الكرامة والشرف، والحفاظ على الأرض، ولا يزال اسم “نهر الموت” في سن الفيل يحمل اسمهم من كثرة الرؤوس التي تدحرجت من المُوحدِّين على هذا النهر، دعوة إلى معرفة الذات، دعوة إلى المُثُل والقيم، دعوة إلى الأصالة الأخلاقيَّة. وهذا هو الأساس المَتين والرُّكن الرَّكين للشخصيَّة المعروفيَّة للعادات والتقاليد الموروثة من الآباء والأجداد.
لقَد سَطَّروا التَّاريخ بِدَمِهِم ولم يُسطِّروه بِقَلَمِهِم، عبر مواقف سياسيَّة وتحالفات عسكريَّة.
هُم رجال فكر ورجال عمل..
وجبل لبنان هو من صَنَعَهُم طوال ثمانين قرن من الزمن، هذا الجبل الأشمّ حَمَلَ تاريخ المُوحدِّين- على حد تعبير المُشْرِف على مناقشة أطروحة الدكتوراه، د.جوزيف لبكي- رحمه الله- “أوليسوا الدروز هم بناة لبنان؟”
لَقَد علَّمونا الوطنيَّة والإنصهار الوطني والإلتزام بالأبعاد الدينيَّة، وآمَنوا بالله جلَّ جلاله، الذي فرَضَ عليهم سبع خصال توحيديَّة دينيَّة: أولُّها وأعظمها صدق اللسان، شريعة روحانيَّة بِغَيْرِ تكليف، والخصال الدينيَّة أَلْصَق بالرُّوح من التكاليف الجسديَّة.
سِمَة المُوحدِّين المعروفين هي العقل وَقَد رَكَزُّوا عقائدهم عليه وآمنوا بالعقل الكُلِّي الذي صَدَرَ عن الواحد الأحد صورة كاملة تامة هي أمر الله وشأنه وإرادته.وعقيدة المُوحدِّين تقوم على التوحيد، ووضعت له قواعد، ونشروها مذهبًا توحيديًّا.
ويرى المُوَحدُّون أن وجود العالم الأزلي ينكشف للعقل ولا ينكشف للحواس، وتَوَصَّلوا إلى حقيقة وجود الله وخلود الروح وهي أركان المذهب التوحيدي الَّذي عَبَّرَ عن الله الخالِق المُبدِع ووحدانيته وتوحيده بالفكر والقلب واللسان والبُعد عن الشُّرك بآيات كلها مرتكزة على العقل الذي جعلوه المركز الأساسي لمعتقداتهم الدينية.
علم التوحيد، هُوَ إصلاحيّ، أصْلَحَ المعلومات القديمة، كَقِدَم الكون وبدئ الخلق، وَأصْلَحَ العقائد، وأوْحَدَ قوانين راقية، أُعْجِبَ بها العلماء والفقهاء، وهُوَ أرقى ما وصل إليه علم اللاهوت والناسوت والتقمص: د.مفيدة عابد، محطات في مسيرة حياتي ص 168، “إنَّها حركة إصلاحيَّة، مُرتكزة على العقل والتوحيد. “لا إله إلَّا الله”
كما أوجد علم التوحيد تشريعًا اجتماعيًا راقيًا: قانون الطلاق، منع تعدد الزوجات… نجيب العراوي
المُوحِّد الدرزي آمن بالله جلَّ جلاله، فتوجَّه بِقُدراتِه الانسانيَّة نحو الحق، وحَافَظَ على عقيدة التوحيد: :”المُوَحِّد الديَّان بتوحيد مولاه شُجاع غير جبان،هذه حقيقة العقل الذي هو نور الله في جميع مخلوقاته.”
وهَدَانا علم التوحيد إلى الله الخالق المُبدع وصَادق العلم وانتصر العقل والعلم، وكيف تجلى العقل في آلة التلغراف والتلفون والراديو والطائرة.
وجعلنا نتبع مسلكية معينة بإيمان قوي في الرسائل الشريفة ومحتوياتها العظيمة، فننطلق من مسلكيتها ونؤمن إيمانًا ساطعًا: “الإيمان بالله والتوحيد بكماله”.
مسلك التوحيد قيمة جوهريَّة، يَتَجسَّد عبر الصلاة وصدق اللسان، والصلاة هي العلاقة الروحية بين الله والانسان “طهروا نفوسكم من الجشع والحسد والحقد والنميمة.” وصدق اللسان هو أعلى الفضائل، هو “التصديق بوحدانيَّة الخالق وحده لا شريك له”.
الصادق يفي بالوعد والعهد، لا يسرق، وهو أَقْدَس الواجبات لت…