كتب وكتّاب
كتاب العميد أنور يحيى عن الشرطة القضائية في لبنان: تشذيب النتوءات التي تراقصت أمام مسيرته بدبلوماسية
Www.banimaarouf.news
“الشرطة القضائية في لبنان، حقائق وإنجازات”.
01-03-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”
الدكتورة سلوى الخليل الأمين
عرفت العميد أنور يحيى حين كنّا نقوم باحتفالات ديوان أهل القلم، وكان لا يزال في سيّار الدرك، حيث كان العين الساهرة على الأمن في الدولة وأمان المواطنين، ومن خلال مهمته كان يرعانا بعينه الثاقبة، التي لا تعرف سوى الحرص على ما يجري في الوطن من فعاليات، تضمّ العديد من الشخصيات الفاعلة في جميع المجالات، والمسؤول بحكم موقعه الوظيفي عن عدم تعرّض أيّ فعالية ثقافية كانت، أو سياسية أو مجتمعية، من التعرّض لأيّ خلل، ينعكس بطبيعة الحال بشروره على الوطن.
بعدها تولى قيادة الشرطة القضائية، وكنت لا أعلم شيئاً عن مهامها
الوطنية، إلى أن وصلني كتابه: الشرطة القضائية في لبنان / حقوق وإنجازات، وإذا هو مؤلف من 639 صفحة، تؤرشف تاريخ الشرطة القضائية أو ما سُمّي البوليس العدلي في زمن الانتداب، إضافة إلى نشر بعض الصور الشاهدة على عصر الشرطة القضائية، الممتد من تاريخ الدولة العثمانية حتى زماننا الحاضر.
بدأت قراءة الكتاب بتأنٍّ ملحوظ، كي أدخل في حيثيات تلك الوحدة في جهاز قوى الأمن الداخلي، المسمّاة الشرطة القضائية لمعرفة حيثيات عملها، فإذا بي أكتشف أنها تمسك بمفاصل الأمن في لبنان عبر سهرها الدائم على أمن المواطنين، من حيث كشف الجرائم على تنوّعها، وملاحقة تجار المخدّرات ومراقبة نوادي القمار، إلى كشف الفاسدين والمتآمرين على أمن الوطن والمواطن، وتحرير المخطوفين، وملاحقة المسلحين الخارجين على القانون من عصابات السلب والتزوير والقتل المتعمد، إضافة إلى ملاحقة المطلوبين الخطرين مهما كانت ارتباطاتهم وحماياتهم من قبل ذوي الشأن، وكل ذلك بشعور وطني قائم على تربية صالحة استمدّها من والده المختار في بلدة عرمون، وإعجابه بأدائه، وأداء رجال التحرّي، حين يستدعي الأمر الاستعانة بالمختار لمداهمة المطلوبين، وتحقق حلمه حين التحق بالمدرسة الحربية بصفة تلميذ ضابط في عام 1971، وهدفه الأسمى هو المحافظة على الأمن والأمان في وطنه لبنان.
شرح العميد أنور يحيى في كتابه، المهام التي أوكلت للشرطة العدلية، منذ عهد المتصرفية التي اعتمدت نظام الضبطية، الذي هو أقرب إلى نظام الدرك والجند في فرنسا، ثم تدرجت إلى بدء الانتداب الفرنسي على لبنان، حيث بقيت الشرطة القضائية ضمن مديرية الشرطة العامة، كقوة منظمة من أجل تأمين النظام في الوطن، ومنع وقوع الجرائم، ومن ثم تنفيذ القوانين المرعيّة الإجراء… إلى أن وصل لبنان إلى الحرّية ونال استقلاله عندما أصبحت الشرطة القضائية تعمل ضمن اختصاص عناصرها على تثبيت الأمن في لبنان، ومكافحة أي خلل أو فوضى، بروح وطنية عالية لا مكان فيها للتدخلات من أي جهة أتت، من أجل تثبيت المدماك الأول لبناء الوطن، بعد أن مر بسنوات عجاف، على أسس وطنية سليمة، حيث أصبحت الشرطة القضائية مكلفة بالحفاظ على النظام والأمن والآداب العامة، ومنع وقوع الجرائم المختلفة المسارات، والتصدّي لمسبّبيها عبر إجراءات وقائية ورادعة، وُضعت لهذه الغاية.
تولى العميد أنور يحيى قيادة الشرطة القضائية في عام 2005
حتى عام 2010، وكما هو متعارف عليه في بلدنا لبنان، فإن
المناصب الأمنية وغيرها من المواقع المهمة، تكون موزعة على الطوائف الكبرى المتعدّدة، لذا يعود إلى زعماء الطوائف اختيار قادتها والمسؤولين في دوائر الدولة، على أن يكونوا من الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة والجدارة وحب الوطن.
ما استرعى انتباهي وأنا أقرأ الكتاب حادثة حصلت في دار المختارة، وذلك حين ذهب وفد من بلدة عرمون لتقديم الشكر للزعيم وليد جنبلاط على حسن اختياره للعميد أنور يحيى، لتسلّم قيادة الشرطة القضائية في أصعب الظروف، والحادثة لا يمكن المرور بها مر الكرام، مما حداني إلى التوقف عندها لأنها مثال في الوطنية الصادقة، ومفادها أنه حين قام أحد المشايخ لإلقاء كلمة باسم الوفد الذاهب إلى دار المختارة، مطلقاً اسم العميد أنور تحت مسمّى أنور العرموني، قاطعه وليد جنبلاط بالقول: صار اسمو العميد أنور اللبناني. وهذه الحادثة التي ذُكرت في الكتاب، لها معانيها العميقة في نفوس من يفهمها ويقدّر مضمونها الوطني، الذي يعلو ولا يعلى عليه.
حوادث كثيرة تكلم في كتابه عن مجرياتها العميد أنور يحيى، ومنها: تلف مزروعات المخدرات في سهل البقاع بشكل جدي ومنع زراعتها والاتجار بها، مع ما يتخلل القيام بهذا العمل من عقبات استطاع تذليلها، إلى مواجهة قضية اغتيال الصحافي سمير قصير وما تبع ذلك من إشاعات واتهامات، كان يصغي إليها، تنهل من ألسنة كل الموجودين في مكان الجريمة، لكنه كان يتابع عمله بانضباطية رجل الأمن المسؤول عن تجميع الأدلة والشهود. إضافة إلى ذكر اغتيال الأمين العام للحزب الشيوعي جورج حاوي، وقضية اغتيال الإعلامي الكبير جبران تويني حيث كان لها الوقع المؤلم، إضافة إلى غيره ممن تعرضوا للاغتيالات، وما تبع تلك الحوادث من عمليات مخلة بالأمن الوطني.
لقد اكتشفت من خلال قراءتي للكتاب، أهمية عمل الشرطة القضائية، خصوصاً إذا تولى رئاستها ضابط وطني، همّه الأول والأخير الوطن والإنسان في لبنان، لا يهمه غضب البعض ولا مسايرتهم وإرضاؤهم، بل همّه الوحيد تطبيق القانون على كل مخلّ بالأمن كائناً من كان، حيث كتب عهداً على نفسه بأن يتخلص من الدوائر العفنة التي تحيط بوطنه لبنان، وأن يجعل الزمن حكماً لفعله القويم، وأن يشذب كل النتوءات التي تتراقص أمام مسيرته بديبلوماسيته المعهودة، دون أن يحيد قيد أنملة عن تطبيق القانون والأمن المكلّف به.