*سنديانة الجيران – تأهيل من الأفيون*
– الحوار السابع –
_دانيل عبد الخالق 11 آب 2018_
تذكرت أيتها السنديانة كيف كنت صغيرا أعود حالما وأركع امام الشباك كي ما يبقى رأسي عاليا فأستطيع رؤيتك، ومن كان لي غيرك أستطيع أن أبوح له بكل ما يختلجني من أحاسيس وانفعالات، فأنا إبن فلان وحفيد فلان لا يُقبل مني الا أن أكون متعقّلا ومتّزنا وحافظا ومتشدّدا في إلتزام تقاليد أسلافي، تذكرتك وأنا أطيل النظر اليك مُعيدا شريطا من الوعظ قد سمعته حول رجل تاب عن السرقة، فانقطع الى البراري يأكل منها وينام في كهوفها عابدا قانتا الى أن وجد شاة ضالّة فخاف أن تأكلها الوحوش، فاحتفظ بها لا بنيّة السرقة بل لإرجاعها لصاحبها حالما يجده، فكان ان خلّفت له قطيعا اشترى بفضله مملكة ساسها بالعدل والصدق، ثم يأتي صاحب الشاة يطالب بها وبما أنتجت، فيتنازل ذلك التائب العابد العالم القانت الزاهد عن المملكة، ويقدّر صاحب الشاة الأساسي هذا الصدق فيُبقي المملكة مع ملكها.. تذكرت كل ذلك بعد أن شاهدت هذا الفيديو المرفق ( https://youtu.be/onf4G8BGmUg ) وهو أسلوب أحد أكبر الوعاظ الدينيين في بلاد الشام شهرة، لن أذكر اسمه لأنه من مذهب آخر فأُتَّهم بانتهاك حرية المعتقد، يأتي هذا الواعظ بقصة دون ذكر اسم البطل وكأنه يحرص على سريته الشخصية، بينما قد يكون تجهيل اسمه لعدم دقة الرواية ونسبة التركيب الكبيرة بها، وغالبا ما تكون هذه الرواية نادرة الحدوث فقد تحدث لرجل من بين مليون.. لكنه يرويها ويتفنن في إخراجها بتعابير عاطفية يفيض الدمع لسماعها حتى يحلم صاحبها بتقليدها شعورا منه أنه بهذا سيرتقي الى عالم اللطف، ويذوب حلّاجا في عزّة الله عاشقا لا كالعاشقين هائما كالملائكة النورانيين، تماما كما كنت أسرح بين أوراقك الصغيرة منسلخا عن واقعي لاهيا عمّا ينتظرني من تحديات معيشتي وتأسيس حياتي، وأصبح فريسة لأحد الميسورين أبيعه انتمائي لتأمين غطائي، ويُضيفني هو رقما الى المجموعة التي تدور في فلكه، نحمل مِحَفَّتَه الى الزعماء مكرّسين له وجاهةً محلّيّة هي أولى أولويّاته.
فهل يا تُرى، أيتها السنديانة، هذا هو الأفيون الذي روّجوه في بلداننا وشرقنا؟ وهل نحن تعاطيناه طمعا في الراحة والإباحة أم روّجه الغرب بيننا عن سوء نيّة، فأحسن الحبكة حتى أنّ عملائه الذين انحدروا بهذا الشرق الى الحضيض هم اليوم في مقام التكريم والتعظيم والتبجيل، بدلا من أن يكونوا في محكمة التاريخ إذ أنّ أتباعهم خسروا الدنيا وتاهوا عن طريق الآخرة؟
لمتابعة سلسلة الحوارات بقلم الشيخ دانيل عبد الخالق
https://www.facebook.com/daneel.ak تابع هنا عبر صفحته الرسمية