وليد جنبلاط … كلمتين !!!
بين الماضي و الأمس والحاضر … من هو ؟؟
….
ما الفرق في حب الزعيم وانتقاده؟؟؟
ما الفرق بين الزعامة السياسية والزعامة الإنسانية؟؟
…
وليد جنبلاط
قراءة نقدية في الإنسان والسياسيِّ.
اقرأ بتمعن
منبر اللقاء_المعروفي / منبر كل المعروفين
Www.druze.news
…. الكثيرون يعتقدون أنّ حب «الزعيم» يعني أن تقدّسه، ولا ترى فيه عيبًا، وأن ترفعه مكانة لا يضاهيه فيها أحد، وأنْ يصبح فوق النقد، وأنَّ من ينتقده يكون كافرًا أو خائنًا أو عميلاً أو متآمرًا؛ لكنَّ حبَّ «الزعيم» خاصةً هو أنْ ترى إيجابياته وسلبياته وأنْ تكون قادرًا على مناصرته كما معارضته، لأنَّه وإنْ كان هو الـ«زعيم» فأنت هو عماد الزعامة.
المعادلة بينكما متكافئة، فهو الرأس من الجسد، وأنت هو المتن، فلا هو يوجد من دونك، وأنت لا وجود لك بلا رأس.
وليد جنبلاط وقبل أنْ يُخطفَ من طلابه في الجامعة الوطنية في عاليه التي كان فيها أستاذًا في التاريخ ليحملّه سماحة شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ محمد أبو شقرا عباءة المختارة إثر اغتيال المعلّم كمال جنبلاط، كان يحمل مسبقًا عباءة الست نظيرة والشيخ فؤاد والشيخ بشير، وعباءة قرون من تاريخ آل جنبلاط ومكانتهم في الجبل وعند الموحدين، كما ثروتهم المادية والفكرية، زدْ عليها عباءة الأمير شكيب أرسلان جدّه لوالدته الأميرة مي أرسلان جنبلاط.
حمل الأمانة، وانتقل من عالم يريده إلى عالم فُرض عليه ولم يختره منذ السادس عشر من آذار 1977م.
ومَن وُلِد في بداية الحرب الأهلية، لم يعِ من كمال جنبلاط إلاّ الحزن المخيّم على كل بيت من بيوت الجبل والوطنيين، وقلوبهم، هذا الحزن الذي لا يزال قابعًا لا في الذاكرة فحسب، بل في كلِّ أفقٍ من آفاق الوطنية والعلم والأدب والفلسفة والتصوف والروحانية والإنسانية، فللمعلّمِ مكانة شبه مقدّسة عند الموحدين خاصة، مكانة لا يفهم كنهها إلاَّ من يفهم التركيبة الاجتماعية والفكرية والمجتمعية للمسلمين الموحدين المعروفين ظُلمًا بالـ«الدروز».
Www.druze.news
آل جنبلاط عبر التاريخ إذًا، هم جزء من هذا النسيج المجتمعيّ للموحدين خاصة وأهل الجبل عامة، وتربطهم علاقات متبادلة بأبناء هذا المجتمع، فهم وإياه يتبادلون الواجبات في الأفراح والأتراح، والمواقف في السرّاء والضرّاء، ولا ضرورة هنا لسرد تاريخيّ طويل، فكتب التاريخ وافية في هذا المجال.
ومَن وُلد في بداية الحرب الأهلية، لم يعِ من وجود المختارة وزعامة الموحدين آنذاك إلاّ وليد جنبلاط، هذا الشاب الثلاثيني الذي يحب ركوب دراجة هارلي ديفيدسون والذي وجد نفسه مسؤولاً بفعل رصاصات غدرٍ عن مصير طائفةٍ بأسرها في وقتٍ فُرضت فيه الحرب، والخطر يتربّص بالأرض والعرض.
وليد جنبلاط في تلك الفترة كان القائد الذي تقدّم الموحّدين ولم يمشِ خلفهم، الابن الذي حمل دمَ أبيه على كفّه وصافَحَ وصفَح حتى يحبس دمَهم، الإنسان الذي نام على ضيمه حتى لا يُضيمهم، الرجل الذي حمى بحنكته وبراعته السياسيّة أرضهم وعرضهم، مما جعله زعيمًا على القلوب بل نبضها الذي يتدفَّق في كل موجود ومولود. وكان كلٌّ يرى في الحزب الاشتراكي ورايته رديفًا لوجوده وقيمه وعقيدته، بغض النظر عن الاختلاف الجوهري بين الاشتراكية كفكرٍ والتوحيد كعقيدة دينية، ذلك أنّ الرايتين كانتا تنهضان بقضية واحدة، وتحملان البندقية ذاتها، بندقية الدفاع والعزّة والكرامة، ولم يكن هناك من رايات إلاّهُما.
وفي ظلِّ تلك الحرب المسماة بالأهلية، أنشأ نظام ال«الإدارة المدنية» التي أرسى فيها ثقافة القانون في الجبل، ونهضَ بـ«الكشاف التقدّمي» الذي لم يتجّه إلى تمكين تبعيَّةٍ للثقافة الاشتراكية بل المدَنية.
وكان عيد الشجرة موعدًا سنويًا في الجبل، ينطلق فيه الكشاف في الاحتفال به بتشجير الجبل، وزرع الأرز، والاهتمام بالطبيعة، وجبل الباروك خير شاهد ودليل. كما كانت حملات النظافة التي ينتقل فيها الكشاف من قرية إلى أخرى، ينظف فيها الطرقات مما رُمي عليها من قمامة مستمرة، بل كان وليد جنبلاط بنفسه يشارك فيها أحيانًا، ليعزز الثقافة البيئية وضرورة الحفاظ على نظافتها والطبيعة.
ومن الحوادث الطريفة التي تُروى عن هذا الأمر، أنّه كان آتيًا بسيارته يومًا باتجاه المختارة قادمًا من نيحا، فإذا به يتوقف عند نهر يقع بين قريتي جبليه وحارة جندل، وقد انتبه إلى رمي أحدهم للقمامة في مجراه، ليترجّل من سيارته، ويبدأ بنفسه بالتقاط هذه الأكياس قبل أنْ يتجمع الناس الذين تداعوا بقدرة قادر لتنظيف مجرى النهر إلى جانبه، ولا يزال الناس على هذه العادة في الحفاظ على نظافة البيئة الطبيعية حتى اليوم.
Www.druze.news
الإدارة المدنية التي أنشأها أرست كما الكشاف، مبدأ الانضباط والقانون واحترام القانون، إذ كان أهل الجبل ينامون مطمئنين، لا خوف من سارق أو خارج عن القانون ينغّص اطمئنانهم إذ كانت هذه مهمة القنابل والصواريخ التي تقصفُ الجبل وهذا هو الحال في ظل الحرب.
ومن وجوه وليد جنبلاط الإنسان التي عليَّ شخصيًا أنْ أسطرها حفظًا للأمانة ما يعود إلى يوم زفافه على السيدة جيرفت جنبلاط.
ذاك اليوم كان الناس فيه أعتى من موج المحيط وأغنى من هدير البحر، وكانت الفرحة بزواج البيك فرحة لا تعادلها في الحياة فرحة، وكنتُ أنا طفلة صغيرة مع خالي الذي كان من عناصر الجيش الشعبي الموكلين حماية المختارة. وكانت السيدة جيرفت قد صعدت إلى غرفتها لتستريح والبيك أمر بعدم إزعاجها، وأنا، كطفلة جلست على الدرجة الأولى من الدرج الذي يقود إلى غرفتها أبكي وأكرر مطلبي الدخول إليها ورؤيتها. فجأة، دخل وليد بيك مسرعًا ببذلته الزرقاء وشعره المنكوش على جانبي رأسه ليتحدث مع الحرس، وفجأة، اِنتبه إلى وجودي وبكائي. فسأل خالي عن سرّ بكائي، فأجابه خالي: «يا بيك معنّدة بدها تشوف الست جيرفت وإنت طلبت إنه ما حدا يزعجها».
ابتسم وليد بيك، وتقدّم منّي، حملني بين ذراعيه وقبّلني، وبقي يحدّثني حتى توقَّفت عن البكاء ورضيتُ، لينزلني من على ذراعيه ويذهب مسرعًا. في تلك اللحظة، وكما قلتُ له خلال رؤيتي له في كليمنصو عندما أعطاني بعضًا من وقته لأطرح عليه بضعة أسئلة خاصة بأطروحتي، أنّه أخذ قلبي ورحل!
Www.druze.news
وبعد أن كبرت، اكتشفت أنَّ حمل الأطفال، وإظهار اللطافة في التعامل معهم، أمر يعمد إليه المرشحون على الانتخابات أمام شاشات التلفزة ليثيروا عطف الناخب، لكنَّ وليد جنبلاط تصرّف بتلقائية مدفوعًا بطبيعته الإنسانية، ولم يستأْ حتى من وجودي ولا من إحضار خالي لي معه إلى مكان عمله.
ومن وجوه وليد بيك الإنسانية ما قُلتُ وأقول ُ إنّه فضل علم لا يمكنني أنْ أتنكّر له، إذ أنّ فضل العلم لا يُنسى ولا يُمكن إيفاءه يومًا. فرسالة الماجستير لم تكن لتُنْجز لو لم يفتح لي وليد بيك أبواب مكتبته الخاصة، ويعطيني الكتب التي أريد للأمير شكيب أرسلان، والتي لم يكن قد أعيد طبعها بعد، ليقول لي وقد وقف يحدّثني بمجرد أنْ قلتُ له أتيتك طلبًا لكتاب: «بتاخدي الكتب، بتروحي عند مكتبة ببقعاتا، بتقوليلن بقلكن وليد بيك تصورولي الكتب، لأنْ يدب رجعها على المكتبة». وهكذا كان.
وبعد صدور الكتب رسميًا عن الدار التقدمية، أهداني إياها، وطلب من العاملين في الدار التقدمية تسهيل وصولي إلى أي معلومة أريد. والحال ذاته في الدكتوراه، فقد خصص لي وقته، وأجاب عن أسئلتي حتى المحرجة منها بكل رحابة صدر، وأسعده نقدي وردّ عليه، بل طلب مني أنْ أنتظر لدقائق، صعد فيها إلى مكتبته، وأتاني بكتابين باللغة الإنكليزية أهداني إياهما، وقال لي أنَّه عليَّ أنْ أقرأهما لأنهما سيفيدانني كثيرًا. واللقاء الذي كان محدودًا بنصف ساعة فحسب، استمرّ إلى ما يقرب الساعة، وعند وداعه، قال لي أبواب المختارة وكليمنصو مفتوحة لي متى أردت، وعاد وأهداني إلى جانب الكتابين المجموعة الكاملة للأمير شكيب أرسلان، وعاد من خلال الأستاذ محمود صافي رحمه الله والقيّمين على الدار التقدمية تسهيل وصولي إلى ما هو غير منشور من محفوظات الأمير شكيب أرسلان في الدار.
وفي المقابل، وأمام هذا الوجه والتاريخ من وليد جنبلاط الذي نعرفه، وأعرفه، لا يمكننا في مواجهة الواقع الذي نعيش فيه منذ اتفاق الطائف، وبعد انفجار المرفأ في 4 آب 2020م. تحديدًا، أنْ ننزه وليد جنبلاط، وأنْ نزايد عليه وهو الذي أرسى فينا ثقافة القانون، وهو الذي على أكثر من محطة تلفزيونية قال بأنّ كل هذه الطبقة السياسية – التي هو جزء منها- فاسدة، وأقرَّ بتغيّر المزاج العام للناس.
منبر اللقاء_المعروفي بقلم الدكتور ليالى ابو شقرا .
Www.druze.news
الوضع الذي نعاني منه كلنا اليوم، واللا أمان الاقتصادي والصحي والأمني، والتدهور، يتحمّل وليد جنبلاط جزءًا من مسؤوليته، وإن لم تكن المسؤولية المباشرة، فعلى الأقل هي مسؤولية غير مباشرة، ذلك أنّ الحكم منذ الطائف كان بالتعاون بين الأفرقاء كافة، وبعد اغتيال الحريري العام 2005م.، استمرّ الحكم بالتوافق والتكافل بين جميع الأطياف السياسية. لا جهة سياسية واحدة يمكن أنْ ترفع راية الأمانة والعفّة وتدّعي محاربة الفساد، لأنّهم شركاء في التآمر على اللبناني، وفي هندسة السياسات المالية والاقتصادية التي أوصلته إلى جهنم التي بُشِّرَ بها. لا من يدّعي المعارضة ولا من يدّعي الموالاة بريء من دمِ يوسف.
وعليه، وعندما يكون السؤال: ما موقفك من وليد جنبلاط؟ ستكون الإجابة: موقفي من الإنسان فيه أو السياسيّ؟ وإذا كان السياسيّ، فعن أيّ مرحلة تتحدّث؟
نحن معه أو ضده كلمة الحق يجب أن تقال !!
….
الدكتورى ليلى أبو شقرا . عماطور الشوف . لبنان
وليد_جنبلاط
اللقاء_المعروفي
كلمة_تقال / #التاريخ #لبنان #المختارة
حقوق النشر محفوظة
المقال وما فيه هو من مسؤولية الكاتب وليس الناشر