حكاية وطن!
كان يا ما كان في قديم الزمان رجل يُدعى لبنان، تزوج من حورية اسمها فردوس الجنان، فرزق منها ثمانية عشر من الفتيان أكبرهم:مارون، عمر، علي وسلمان.
وفي ليلة ليلاء أقلقه مآل ثروته بعد الوفاة، فاستدعى أولاده واستفاض شرحاً باحوال الدنيا وتبدل الزمان ورحيل الإنسان، وضرورة توزيع ثروته على حياة عينه حفاظاً على وفاق الاخوان.
فسأل الوالد فلذات كبده مستطلعاً رغبة كل منهم بالحصة التي يستحقها من مساحة العشرة آلاف والاربعماية والاثنين والخمسين كيلو متراً مربعاً التي يملكها. فقال مارون لي ولعائلتي النصف ولإخوتي وعائلاتهم النصف الثاني!
فانزعج باقي الاخوان وانتابهم البهتان والخوف على الكيان! وعلى الفور استعان مارون بخالته فرنسا فتدخلت لصالحه لدى الوالد وأجبرته على تثبيت المناصفة والأولوية بكل شيء لمارون! فانصاع الوالد لرغبة مارون وخالته ونصّوا “فرمان” يثبت القيادة والمناصفة لمارون دون منازعة كائنٍ من كان! ولم يأبهوا لظلم علي وعمر وسلمان! فما كان الا ان اعترض سلمان المتصرف بأراضي جبل لبنان الممتدة حتى عكا، رغم انف بني عثمان! فقاطع المشاركة في البرلمان خلال دورتين من الزمان ثم عاد وغرق بوحول ارث الوالد الثقيلة!
وقد شارك على مضضٍ علي وعمر حفاظاً على ارض الوالد واستمرار الكيان! فقررا العمل بجد لرفع الحرمان ،مستعينين باصحاب النخوة من العربان بدايةً من الجيران: ابو سليمان وجمال وصدام، وصولاً لملوك الخليج اصحاب العزة والعنفوان والاحترام الفائق للنسوان! وما لبث حتى انضم اليهم اخٌ اسمه فلسطين الشتات،فاكرموا ضيافته كثيراً حتى نسي العودة الى وطنه وفقد الحنان!
عندها خشي مارون من الاخ الدخيل الذي قد يقلب المعايير! ووجد فيه عمر وعلي وسلمان سنداً قد يحميه من التّسلّط وعيشة الذل والحرمان!
فبرزت تحالفات رمادية الالوان ظاهرها استرجاع فلسطين وباطنها إيقاف تسلط احد الإخوان! وقد أنتجت تلك الظروف قيادات فكرية تعمل مجتمعةً على استرجاع ما يعتبرونه حقوقاً مغتصبة!
ولما استشعر مارون نشوء التكتلات والأحلاف عمد بنفس الوتيرة للاستقواء بكل من حوله ليبقى متحكّماً بإرث الوالد لبنان!
وامتد تسلطه ليطال ابناء عائلته من أرمن وروم حاوي سريان وكلدان…!
فبدأت تتكون حركة واسعة لاستعادة الحقوق تحت عناوين ومسميات مختلفة قادها ابو المحرومين وأبو الفقراء وأبو عمار وأبو فلان… بوجه سياسة مارون الحادة بحق الإخوان!
فاندلعت شرارة الثورة السبعينية المدمرة فعلم الاخوة ان جميعهم خاسرون والتقط الاذكياء منهم فكرة ان “ما ورّثه بيّك إلك ولخيّك” وعادت العقول الراجحة الى مصالحة الإخوان حفاظاً على ارض الوالد ولكن في هذه الأثناء كان قد هاجر الكثير الكثير من ذرية مارون، وعلى المقلب الثاني تعاظمت ذرية علي وعمر وسلمان ففاقت باضعاف ذرية مارون! فتيقّن الورثة ان ما كان يصحّ في الامس لجهة القيادة والمناصفة لم يعد قابلاً للتطبيق في هذا الزمان!
وعاد الاخوة لفقدان البوصلة من جديد رغم تعقل العقلاء ونداء الحكماء الذين خبروا مساوئ الحروب وعاشوا ويلاتها!
وإذا بلبنان جبران خليل جبران يتجاهل قيمة الاسم والعنوان وكأنه لا يريد للوالد ان يرتاح بقبره!
وتقابله من الناحية الثانية أصوات تكاد تعلو أصوات التهدئة والعقل! معلنةً نفير الاختلاف بين الورثة على التركة الثقيلة التي لم تُوزع بالعدل سابقاً، ولا يزال ورثة مارون يتمسكون بامتيازاتهم رغم تزايد اعداد ابناء اخوته الذين فاقوا ثلثي عدد أولاده!
عسى ان يهدي الله ابناء لبنان وذريته ليعيدوا النظر بقسمة التركة الثقيلة لتنتظم أمور العباد وينعم الأحفاد بخيرات البلاد. رحم الله من نظر فاعتبر !
منبر اللقاء المعروفي ..
الكاتب الدكتور منصور العنز ..
ملاحظة: كل ما يرد على منبر اللقاء ليس بالضرورة ان يعبر عن موقف اللقاء، ويتحمل الكاتب كامل المسؤولية .