في مأتمٍ مهيب ودّع لبنان والمشرق العربي وطائفة الموحدين الدروز المرجع الشيخ أبو سليمان حسيب الصايغ أحد أبرز المشايخ الكبار في الطائفة، والمتوّج بالعمامة المدوّرة (أو المكولسة).
والعمامة المكولسة تقليد يعود جذوره إلى حقبة الأمير السيّد جمال الدين عبد الله التنوخي (820-884 هـ)، إمام الموحدين الدروز في بلاد الشام، وهي أمانة لا يتلقاها “الشيخ الثقة” بذاته، لذلك فإنّه يؤديها إلى مستحقيها بسعي مستمَدّ من ثقة “الجماعة” وإخلاصها ووفائها للأمانة.
رغم الإجراءات الرسمية الصارمة في منع التجمعات العامة بسبب جائحة كورونا فقد حضر مراسم الدفن الآلاف من المواطنين بالإضافة لحشدٍ كبير من السياسيين والمسؤولين، فمن هو المرجع الصايغ وما المميّزات التي يتمتّع بها عن المراجع التوحيدية الأخرى؟.
Www.druze.news
سيرة ذاتية: مسلك دقيق وصارم
ولد الشيخ ابو سليمان حسيب الصايغ في بلدة معصريتي – قضاء عاليه في العام 1923 لعائلة تميزت دوماً بأنّها مرجعية روحية وزمنية لأبناء الطائفة الدرزية في لبنان والمنطقة.
ترعرع في كنف والده المرجع الروحي الأعلى لطائفة الموحدين الدروز آنذاك المرحوم الشيخ أبو حسيب اسعد الصايغ، وقد نشأ على صراط مستقيم من التربية الدينية والأخلاقية، وتلقّى علومه الدينية على يد والده إلى جانب صهره المرجع الشيخ أبو حسن عارف حلاوة.
في العام 1981، ما بعد وفاة والده في العام 1979، أُلبس العباءة البيضاء (تقليد متّبع لتميزه عن أقرانه في السلوك والتقوى)، ومن خلال مسيرته الدينية الزاخرة لاحقاً توّج في العام 2006 بالعمامة المدوّرة. (كذلك قام هو بدوره بتتويج الشيخ ابو سليمان حسيب الحلبي بالعمامة المدوّرة في العام 2015).
تميّز الشيخ الصايغ باجتهاده الكبير في العلوم الدينية وتطبيقات الأحكام الشرعية، وعمله الدائم على تعزيز أواصر العلاقات الوطيدة بين أبناء الوطن الواحد، خاصةً خلال الأزمات السياسية، وكان من أبرز صلات التواصل وتثبيت العلاقات مع أبناء الطائفة في سوريا ومع الدولة السورية.
لقد كان رجل علم وورع ذي طلّة بهيّة، تمتّع باللّطف الشديد في حضوره وحواره ومحبّته للآخرين، وكانت خلوته إلى جانب منزله في بلدة معصريتي، جانب ذاك الوادي الساحر، مقصداً للكثيرين من المثقفين ورجال الدين والسياسة، سائلاً بكل تفصيل ومحاوراً في كل الشؤون بدماثة الخلق بالتوازي مع الجرأة في المواجهة وقول كلمة الحق بوجه أيٍ كان.
Www.druze.news
العمامة المدورة: تقليد ديني للمتميزين والخاصة
توّج الشيخ الصايغ بالعمامة المدوّرة في العام 2006، فما هي هذه العمامة ولمن تُعطى؟
تزيّن العمامة المدوّرة أضرحة كثير من أولياء الدروز الذين مرّوا في القرون الماضية وأبرزهم المصلح الديني وإمام الموحدين الدروز في بلاد الشام الأمير السيّد جمال الدين عبد الله التنوخي (820-884هـ). وفي مراحل لاحقة الشيخ عز الدين أحمد ابن أبي الرجال (ت. 1112هـ) والشيخ حسين ماضي (ت. 1216هـ) والشيخ أحمد أمين الدين (ت. 1224هـ) صاحب الوقف المشهور.
Www.druze.news
العمامة عند الدروز نوعان:
النوع العادي: وهي مكوّنة من طربوش أحمر، وحوله لفة بيضاء من الشاش محكمة اللّف. أو قلنسوة بيضاء مصنوعة من خيطان الصوف او القطن فوق الرأس. وفي كلّ الحالات يجب أن يكون الرأس حليق من الشعر.
النوع الثاني: العمامة المكوّرة أو المكولسة، هي العمامة البيضاء الأسطوانية، التي يتعمم بها كبار رجال الدين في الطائفة، الذين اتفق جميع المشايخ على تقواهم ومسلكهم وأهليتهم لحمل هذه العمامة المميّزة المختلفة عن كل العمامات الأخرى.
والمشايخ المعمّمون هم سلالة متصلة بالفضل بعضهم ببعض يتوّج السابق اللّاحق منذ القدم، إلاّ أنّ كبار المشايخ الثقاة من المعمرين تنقل عن السلف تعرّض العمائم “المدوّرة” إلى مرحلة شبه انقطاع أواخر القرن التاسع عشر للميلاد. فكان أن اتفق مشايخ البلاد في جبل لبنان على تجديد هذا التراث وحفظه فقام الشيخ أبو محمد سعيد العقيلي، المرجع الروحي الأبرز في ذلك الوقت، بتعميم عدد من المشايخ كان أبرزهم الشيخ أبو حسين محمود فرج (1953) والذي لقب بشيخ الأربع بلدان أي شيخ الموحدين في بلاد الشام، والشيخ أبو فارس محمود عبد الخالق (1356هـ) والذي عرف بقاضي الموحدين. والشيخ أبو محمد سعيد شمس الدين، والشيخ أبو احمد أمين عودة، والشيخ أبو يوسف سليم البيطار، والشيخ أبو يوسف حسين هاني.
لاحقًا بعد وفاة الشيخ العقيلي وبروز الشيخ أبو حسين فرج مرجعًا روحيًا أعلى للموحدين في لبنان قام بدوره في العام 1931 بتتويج جملة من دروز فلسطين آنذاك، هم المشايخ:
– الشيخ أبو يوسف أمين طريف
– الشيخ أبو يوسف سلمان نصر
– الشيخ أبو حسن منهال منصور
– الشيخ سلمان خطيب نصر الدين
– الشيخ علي حمادة طريف
وقد تنازل المشايخ الثلاثة الأخيرين من باب التواضع، وظلّت العمامة على هامتي الشيخين الجليلين أبو يوسف أمين طريف وأبو يوسف سلمان نصر حتى وفاتهما.
وفي عام 1933 قام الشيخ فرج أيضاً بتلبيس ستّة مشايخ في لبنان دفعة واحدة، وذلك في اجتماع حاشد في قرية الهلالية – قضاء بعبدا بحضور عدد كبير من المشايخ، والستّة هم:
– الشيخ أبو حسيب أسعد الصايغ
– الشيخ أبو حسن عارف حلاوة
– الشيخ أبو محمد سعيد شهيب
– الشيخ أبو محمد سعيد خطار عيد
– الشيخ أبو يوسف محمود العنداري
– الشيخ أبو محمد نجيب أبو حمزة
في عام 1988 ألبس الشيخ أبو حسن عارف حلاوي العمامة المدوّرة لمشايخ ثلاثة هم:
– الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين
– الشيخ أبو ريدان يوسف شهيب
– الشيخ أبو محمد صالح العنداري.
في العام 2006 قام الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين بتلبيس العمامة للشيخ أبو سعيد أمين أبو غنام، الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ والشيخ ابو سليمان حسيب الصايغ. بدوره قام الشيخ أبو سليمان الصايغ عام 2015 بتلبيس الشيخ ابو سليمان حسيب الحلبي العمامة المكولسة. وتوفي الشيخ الحلبي عام 2016. وبرحيل الشيخ ابو سليمان حسيب الصايغ، يكون المرجع أمين الصايغ الشيخ الوحيد من ذوي العمامة المكولسة.
ويميّز الدروز بين مرجعيتهم الروحية المتمثلة بمشايخ العمائم المدوّرة، وبين مشيخة العقل المنتخبة من أعضاء المجلس المذهبي الذي يضم رجال دين ومدنيين.
كتب الاستاذ عامر ملاعب
…. منبر اللقاء المعروفي ، Www.druze.news…..
ودّع الجبل امس الشيخ الجليل الطاهر ابو سليمان حسيب الصايغ، وداع الاعلام الكبار من سلالة المشايخ الافاضل الانقياء، المقتفي آثار اهل الفضل، والملتحف بجلباب الصبر.
ولئن نمر راهنا في ظروف استثنائية من حيث الوباء المنتشر فقد عكس مأتم الشيخ الجليل نيته الطاهرة في الخير فكان بروز كبير لدرجة الالتزام والاهتمام بشروط الوقاية من خلال انشاء ممرات تعقيم الزامية للداخلين والخارجين من المكان وفي وضع الكمامات والتباعد في المقاعد.
وثمة فضل كبير للمشايخ والشباب جميعا ممن بذل جهودا مقدّرة لاظهار تلك الصورة الحضارية الراقية في موقف كبير لا يمكن التخلّف عن اقامة مراسم ضرورية تليق في الحد الادنى بالراحل الكبير. وربما تجوز في هكذا حال بعض الاخطاء او التقصير ووضع الاعذار في حالات استثنائية ممن اكتفى بالتعقيم الموجود دون الكمامة لعدة اسباب لكنها وان حصلت فبالتأكيد لن تخفِ صورة الالتزام بالوقاية المطلوبة، بدءا بسماحة شيخ عقل الطائفة الشيخ نعيم حسن ومرورا بالشخصيات الروحية والسياسية والاجتماعية الذين التزموا بشروط الوقاية.
رحم الله الشيخ الجليل والتحية للجميع على جهودهم التي اعطت المثل والمثال، وبأن الوقاية لا تتناقض والايمان واليقين بقدر الله سبحانه وتعالى، وعلى القاعدة التي اعلنتها مرجعياتنا الروحية والسياسية.
* بالمناسبة اسمح لنفسي القول ان بعض الاقلام او التعليقات حول بعض التجاوزات فإنما نضعها في اطار حرص مجتمعنا التوحيدي والعام خصوصا في الجبل الذي يُشهد له حرصه تنفيذ القوانين المرعية وتوجيهات المؤسسات الرسمية.
….