لا يغالي نقيبأصحاب المستشفيات سليمان هارون عندما يقول إن المسؤولين في حال إنكار، وإن القطاع الإستشفائي لن يتمكن من الصمود حتى آخر الشهر الجاري، قبل ان يتعطل معظم ما يقدمه من عمليات ومعالجات طبية للمرضى،
منبر اللقاء المعروفي … Www.druze.news
وان الوضع في فوضى عارمة وتراجع يومي من سيئ الى أسوأ، وان الدولة لم تدفع متوجباتها الى المستشفيات عن كل العام الماضي، إضافة الى متأخرات متراكمة منذ العام ١٩9٢.
هارون كان مهذباً عندما خاطب المسؤولين قائلاً لتتفضل الدولة وتتسلم مفاتيح المستشفيات وتديرها هي، لكن البديل الموضوعي من هذا الكلام كان يمكن ان يكون بمثابة نصيحة للبنانيين السعداء بأن يلجأوا الى طب الأعشاب، وان لم تنفع فليس لديكم سوى ان تستعدوا لتشييع مرضاكم، ونحن نقدم لكم البرّادات إن توافرت الكهرباء، التي تموت الآن رويداً رويداً، وفي النهاية ليس لنا ولكم من تعويض غير هذا الطقم من المسؤولين، الذين باتوا يستحقون ان نسميهم دولة دفن الموتى. ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها صرخات الإستغاثة من المستشفيات، لكن ليس هناك من يسمع، ليس لأنهم منهمكون بالبحث عن جنس الحكومات والوزراء من غير شرّ، بل لأنهم في عالم آخر، والدليل المعيب والفاضح مرة جديدة، أننا ويا للعار والشنار، كنا قبل يومين أمام المأساة الثامنة لمواطنين ينتحرون شنقاً وحرقاً، لكننا لم نسمع كلمة من مسؤول ولا رفّ جفن أحد السعداء في هذه الدولة المسخرة، التي تعودت دائماً عهداً بعد عهد وحكومة بعد حكومة، ان تحمّل المسؤولية للذين سبقوها، وكأنه ليس من الضروري ان تكون هناك نقطة بداية أو تغيير! المواطن الذي اشعل النار في نفسه حتى الموت في طرابلس بسبب العوز والفقر والجوع وإحترق بيته فوق جثته، مجرد تفصيل جديد عابر، فقد سبقه الى تلك المأساة الفادحة مواطنون صاروا في ذمة ربهم، ولا يملك المسؤولون المنشغلون بتشكيل الحكومة التاريخية، وبالسعي الى إحباط وتفكيك الإنتفاضة الشعبية أو العمل لتدميرها، الوقت لمجرد الوقوف لحظة وتهيّباً امام إنتحار مواطن حرقاً بالنار للقول: إنّا لله وإنا إليه راجعون. لكن النار في هذه الأيام البائسة لم تعد ترسم صورة الموت من العوز فحسب، بل صورة الغضب يشتعل في فروع المصارف ليرسم صورة مقدمات الفوضى الشاملة والقاتلة،
فالموظف في المصرف ضحية تعاني مرتين، مرة من خطر يتهدد عملها والمستقبل، ومرة من خطر المودعين الثائرين لا يحصلون على ودائعهم الحبيسة إن لم تصبح غداً السليبة، أما رجل الأمن الواقف حائراً عن أي ظلامة يدافع عن ظلامة الموظف أو ظلامة المودع، فهو أيضاً على حافة ظلامة مشابهة، ويعرف ان دولة المساخر قد تعجز غداً عن دفع راتبه. والمأساة ان المسؤولين لا يرون أنه من خلال نار المنتحرين جوعاً أو غضباً ومن خلال المرضى الذين لا يجدون طبيباً أو مستشفى، ترتسم معالم الجحيم الذي يقترب إن لم يكن قد عبر الباب،
وخصوصاً في طل التحذيرات المتلاحقة من ان آخر شباط وعلى الأكثر آذار سيحصل الإنهيار النهائي، وتبدأ الفوضى العارمة مع ارتفاع نسبة عمليات السلب والسطو. لم يعد من معنى للقول إننا صرنا في مغارة علي بابا، لأن ارتفاع النار في أجساد المنتحرين جوعاً وعلى أيدي الغاضبين قهراً، وليس من يحس بالمسؤولية، لهذا أقول لكم أهلاً بنا جميعاً في الجحيم ومن دون إستثناء!