عقيلة الزعيم سلطان باشا الاطرش.
ثقافة عامة
… منبر اللقاء المعروفي …
تركية ابو فخر…..
سيدة فاضلة حملت على كتفيها كل أعباء الزعامة والثورة والتشرد والنفي والهدم والملاحقة والمطاردة والبعد وكل ويلات الحرب، وظلت شامخة رافعة الرأس تربي أولادها وتقوم بكل أعباء بيتها وبيديها القويتين تقري كل الضيوف على مدار سنوات طويلة، وهي دائما باسمة الوجه، منشرحة المحيى، ترحّب بالكبير والصغير وتقوم بواجباتها عن إيمان وعزم وعقيدة وإخلاص لزوجها وبيتها وأهلها وعشيرتها. وقد تحمّلت ما لا يستطيع أن يتحمله أقوى الرجال وعانت كل المعاناة وقطعت كل الحواجز والمشاكل والصعوبات ووصلت إلى بر الأمان مبرهنة أن المرأة الدرزية المخلصة الشريفة، يمكنها أن تسند زوجها وتدعمه وتجعله يتغلب على أقوى المعارضة والقوة والعنف، إذا كان مسنودا من بيته وأهله والمقربين إليه.
…. z.n.n ….
هكذا كان سلطان الأطرش الذي طبّقت شهرته الآفاق، حيث وقف وثار وحارب وقاتل وقاد وخطب وتحدث وآمن وتحسّر وشارك في الحروب والمعارك وفي السراء والضراء، وكسب شهرة عظيمة ومكانة كبيرة ووصل إلى مصاف كبار الزعماء في القرن العشرين. وعندما حضر الرئيس جمال عبد الناصر العملاق العربي في القرن العشرين إلى سوريا، لم يرتح له بال إلا بعد أن جلس مع سلطان الأطرش الذي رحّب به قائلا أهلا بقائد الثورة فأجابه جمال عبد الناصر: أهلا بأبي الثورات. هكذا، سلطان ضحّى لكنه حصل، أما عقيلته السيدة الشريفة النبيلة الصامدة تركية ضحّت وعملت وواجهت أكثر ما واجه سلطان لكنها بقيت في الظل، تقوم بواجباتها بهدوء وتدعم زوجها وأبناءها وذلك استمرارا لمواقف عشرات العقيلات في تاريخ الطائفة اللاتي لولاهن لما كان هناك زعماء أو لولاهن لما كان الزعماء بهذه المقدرة وهذا العنفوان وهذا النجاح.
ولدت السيدة تركية في جبل الدروز لعائلة أبي فخر، وهي من ناحية القرابة لسلطان الأطرش إبنة خالته، وقد أبصرت النور عام 1890 وتم زواجهما عام 1912 وكان هذا بالنسبة له الزواج الثاني إذ أن زوجته الأولى، إبنة عمه انتقلت إلى جوار ربها إثر مرض.
Z.N.N
لقد قامت السيدة تركية بكل واجباتها كزوجة وأم على أحسن وجه، حيث ولد لهما عدد من الأولاد، وقامت بتربيتهم ورعايتهم والسهر عليهم وتوفير كل حاجاتهم، بإخلاص وتفان ومحبة وتضحية، فقد كانت لهم الأم والأب، لأن زوجها كان دائما مشغولا بالشؤون السياسية، وأمور الزعامة والثورة. وقد لجأ إلى النبك في السعودية مع رفاقه الثوار وقضى هناك عشر سنوات بعيدا عن البيت والأولاد، وكان الفرنسيون قد هدموا بيته مثل باقي البيوت. وفي هذه الظروف قامت السيدة تركية بكل الأعباء لوحدها، دون سند أو دعم، إذ أن وضعا مماثلا كان نصيب الكثير من عائلات الجبل، لكنها بشخصيتها الفذة وقوة إيمانها وإصرارها وعزمها وثباتها استطاعت أن تتغلب على كافة المحن والظروف وأن تحافظ على أولادها وتربيهم وتعلمهم.
وقد قامت بدور كبير وفعال كزوجة زعيم، وكلنا يعلم ما معنى بيت زعامة في الطائفة الدرزية، وخاصة في الجبل وفي تلك الفترة، من حيث المتطلبات الباهظة والبيت المفتوح دائما، واستقبال الضيوف، وإغاثة الملهوف وكل ما يتطلب مركز إجتماعي قيادي كبير من عمل شاق ومضن كثير الواجبات.
Z.N.N
وقد قامت السيدة تركية بكل هذه الأعباء على أحسن وجه، ودعمت زوجها لأن يكون القائد والزعيم والرائد والرمز والسلطان خلال فترة استمرت عشرات السنين.
وحينما يذكر سلطان الأطرش بكل عظمته وعنفوانه وشخصيته وأعماله وصموده، يجب أن تذكر إلى جانبه السيدة تركية التي استطاع بفضلها أن يؤدي هذا الدور التاريخي وهو مطمئن البال أن الأولاد والبيت والأسرة والصغار موجودون دائما في أيد أمينة ولا ينقصهم شيء.…