أرجوك..
رشح نفسك للرئاسة…
حانت الانتخابات الرئاسية…
لا ليست الانتخابات الرئاسية في البلد، ولكنها الانتخابات الرئاسية في العقل ، تلك التي تجرى بشكل دوري في العقل لتحدد من يحكمه!!
امتلأت شوارع العقل بالدعاية، على الأرصفة والجدران وفي الطوابق التي تسكنها الأفكار، فالدعاية تملأ كل مكان. وانتشرت المقارات الانتخابية في كل ناحية، تزينها صوراً ولافتات لكبار المفكرين وعلماء الدين والمشايخ، وبعض رموز الجماعات والأحزاب.
… منبر اللقاء المعروفي …
? ثقافة عامة ?
كلهم مرشحون لرئاسة العقل، ويتبارون أيهم سيحكم العقل ويوجهه. كانت الأفكار في العقل تقف على هيئة مجموعات، كل مجموعة تتناقش في المرشح الأفضل لحكم العقل وتروج له. قررت الاقتراب من كل مجموعة من الأفكار لأنظر ماذا تفعل. فهذه مجموعة ترفع صورة مفكر وتقول: “نحن نثق فيما يقوله المفكر عتريس”، وهذه مجموعة أخرى تقول: “بل نثق في كلام هذا الشيخ”.. وأشاروا إلى صورته قائلين: “هل يُعقل أن يضرنا الشيخ؟! وما مصلحته في ذلك؟!” وآخرون يشيرون إلى رموز حزبية، يعللون اختيارهم بأنها حتماً درست الواقع عبر لجان حزبية، وبعد دراسة للسيناريوهات الرأسية والأفقية والطولية والعرضية، فرأيها بالتأكيد هو الصائب.
أخذتُ أهرول في شوارع العقل التي امتلأت بأوراق مرحشين كثر، لم يدفعوا حتى ثمن التأمين على إزالة هذه الفوضى في العقل بعد إجراء الانتخابات … بدأت أفتش في مجموعات الأفكار التي يلتف كل منها حول صورة… سألت كل مجموعة بعصبية.. أين صورته؟؟… أين صورته؟؟.. حتى كادت تنتابني حالة هيستيرية…
غادرتُ عقل صديقي سريعاً بعد هذه الجولة والقلق يتملكني…
Z.N.N
لطالما سمعته يردد نفس العبارات حين أسأله عن رأيه في أمر، فيرد علي بأنه سينظر ماذا يفعل المفكر فلان، لأنه من أهل التخصص ويفهم أكثر، ولذلك سيأخذ برأيه أياً كان، أو يقول هذا الشيخ بالتأكيد لن يضرني لذلك سأنزل على خياره… فقط لأن الشيخ لن يضره، وليس لأنه مقتنع أو مستوعب لما يقول!! وهكذا كان يترك الآخرين يحكمون عقله، وبالتالي يتخذون قراراته نيابة عنه.
أعلم أن التفكير أحياناً مرهق، وأن مخالفة من نثق فيهم في الرأي أمر قد يُشعر بالوحدة، لكن هذه المجاهدة للعقل، وتَحَمُّل آلام التفكير يعد جزءاً من ثمن الكرامة الإنسانية والحرية والمسئولية التي تقع علينا فرادى..
سألته بأسى: كيف اخترت أن تبيع عقلك الذي أعطاه الله لك أنت… وخصَّك بك وحدك؟؟!! يا للخيانة المرة!! إنني متأكد من أهمية سؤال أهل العلم والخبرة. فالسؤال أداة من أدوات العقل ليتخذ القرار، لكنك الوحيد الذي يجب أن يتخذ القرار بعد مساعدة أهل الرأي، حتى ولو خالف آراء كل من تثق فيهم. لأنك تعلن دائماً أنك تملك السيادة الكاملة على كل شبر في عقلك… وأنك وحدك سيده!!
Z.N.N
قلت له إن تفويض الآخرين في التفكير نيابة عنك يعني أن ثمة عطب في عقلك، فالثقة فيمن تحترمهم لا تعني الثقة التامة في رؤاهم أو قراراتهم، قد تعني في أفضل الأحوال الثقة في أنهم لا يسعون إلا إلى الإصلاح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لكنهم ربما يضلون الطريق. وأنت كذلك لست معصوماً، فقد تضل الطريق. لكن الفرق في الحالتين أنك في الأولى تابع لا تعرف سنداً سليماً لاختيارك، وفي الثانية أنت سيد مسئول عن اختيارك. إن لم يكن القرار صائباً ستقول في الحالة الأولى هم الذين لم يحسنوا الاختيار وتُسِّر إلى زملائك من حولك، أنك منذ البداية لم تكن تميل لرأيهم، محاولاً رفع المسئولية من عليك. بينما في الحالة الثانية أنت الذي اخترت وأنت وحدك المسئول في النهاية. هو اختبار حرية ومسئولية وشجاعة أكثر منه اختبار صحة قرار.
أخبرته بالكارثة التي عاينت، لم أجد صورته كمرشح لرئاسة عقله، رُفعت كل الصور إلا صورته، وسمعت هتافات بكل الأسماء إلا اسمه، لم يكن مرشحاً للرئاسة، ولم يختر أن تكون له الكلمة الأخيرة. هل هذا تواضع أم هوان؟! اختار راحة العقل فأصبحت رأسه كرة يركلها الآخرون ويوجهونها حيث يريدون..
Z.N.N
كَوْنُ وجهك مستقِراً على رقبتك لا يعني أنه ملكك، إنْ كان كل مار يصفعه كيفما شاء، أطرح السؤال على نفسي وعليكم… هل ستفوز؟ لو رشحت نفسك لرئاسة عقلك؟؟ أم أن أفكار عقلك اعتادت أن يحكمها الأجنبي؟!
أخشى أن تكون الإجابة.. نعم سأرشح نفسي… وأفوز… لكنني لن أجدد.. سأبقى لدورة واحدة فقط!!
… منبر اللقاء المعروفي …
???
بقلم وائل عادل –
زلزال العقول (1)
…..
شارك الاخرين .. لنكون عقلانيين … ثقافة عامة