الناشط والحقوقي والانساني الاخ احمد ناجي من اليمن المتعذب .. كتب اليوم على صفحته .
رمضان .. التمر والملح!
عند نوافذ البيت أجلس مبتهجًا منتظرًا رمضان. أصعد للسطح، أراقب الباب، اطيل النظر في طُرق القريّة المتعرجة لعلي أجد الزائر الذي سيأتي عند الغروب. أتخيله كهلًا مبتسمًا يشبه فقيه القرية ” الرجل الذي علمنا القراءة والكتابة على الألواح “. كنت اتصوره حكيمًا كشيخ عُرف، طيبًا كجدّي، سخيًا كأمي. كنت أجمع أجمل الصفات التي استطعت احتواءها في ذلك العمر، اجلبها إلى طاولة عقلي، واخلق رمضان على هيئة أجمل الصور. ثم أظل منتظرًا لحظة المجيء.
حين تغيب الشمس، يرتفع صوت أهل القرية ” لقد وصل”، فأنطلق إلى الخارج، فرحًا أطوف حول بيوت القرية، وإلى جواري رمضان الذي خبأته في سواد ليل القدوم، أو لبسته قميصًا فصار يسكنني. لقد كنت أعرفه جيدًا، وأراه في وجهي لا أمامي.
في يومه الأول، عند تباشير الصباح، يقرر رمضان كعادته أن يسيل كنبع ماء، فأجده في رحمة الناس لبعضهم، في عطاياهم، في تضامن نسوة القرية، في أبواب البيوت المفتوحة التي لا تغلق امام السائلين حتى في المساءات، تتحول القرية إلى بيت واحد، وعائلة مجتمعة. ترتفع أصواتنا كصغار أثناء اللعب وتمتد أنظارنا لوجوه الجيران فلا نرى سوى ابتسامات. إنها سطوة الكريم رمضان، كان يمنح دون خشية فقر، ويرمم شروخ المجتمع بطريقة مدهشة.
لاحقًا أدركت أن الشهر ليس طقسًا دينيًا فقط، بل هو ذاكرتنا الجماعية التي تمنحنا فرصة التعبير عن الجميل فينا، تعطينا جرعة إنسانية عن المفقود منها في الأشهر الماضية.
وهو شيء من المشترك الذي نحتفل به، موسم نرحّل إليه الأمنيات، اللقاءات، القرب، الإقبال والقبول. معمل نختبر فيه الشعور بمن من حولنا، فلا نرضى بأقل من فرحة الجميع. ولا تطيب لنا الليالي دون تقاسم التمر، والخبز، والملح.
واختتم احمد ناجي بالقول ..
قبل قليل وصل الكهل، فوجد فرحة مكسورة، وسيل من الأمنيات والرجاءات بسلام يقي البلدة من جوع الحرب.
رمضان كريم! … احمد ناجي ، اليمن ، منبر اللقاء المعروفي .