قلق .. والجواب واضح… ماذا حدث ليلا في الشوف!!
لحظات متوترة عصيبة، عاشتها مناطق الشوف، مساء الخميس الفائت. توتر على الأرض بين مناصرين للنظام السوري وحزب التوحيد العربي، من جهة، ومناصري الحزب التقدّمي الإشتراكي، من جهة أخرى. كان وليد جنبلاط على أشد استنفاره لتطويق أي إشكال، ومنع تحقيق أي خرق في أمن الجبل. تلقّى “الرسالة”، وعمل على معالجتها. ليست المرّة الأولى التي يحاول فيها خصوم جنبلاط دقّ أبواب الجبل، وإيصال الرسائل إليه في بيئته وبيته.
التلويح بالثأر
والرسالة متعددة الأسطر. في مضامينها التلميح بالإنتقام من جنبلاط، رداً على مواقفه تجاه النظام السوري، كما تتضمن الرد على موقفه من أزمة تشكيل الحكومة، وإطلاقه نعت “سنّة علي مملوك” على النواب السنّة، الموالين لحزب الله وحلف الثامن من آذار.
بالطبع، هي ليست الرسالة الأولى التي يتلقاها جنبلاط من نافذين في النظام السوري. فطوال الأشهر الفائتة وجّهت إليه رسائل عديدة، بعضها يتخذ لغة الإنتقام، والبعض الآخر يتّخذ طابع التحجيم والتطويق في السياسة وفق ما جرى في المفاوضات الحكومية. وهناك من ينقل عن لسان رئيس النظام السوري بشار الأسد بأن الحساب آت مع جنبلاط. لا يمكن التكهّن في ماهية هذا الحساب، وكيف سيكون. لكن المؤشرات تدلّ على تدرّجه من السياسة إلى خلق بلبلة في الساحة الشوفية، بالإضافة إلى السعي المستمر إلى تأكيد عدم أحادية الزعامة في الجبل، سواء بفرض كتلة نيابية تم اختراعها لتوزير النائب طلال ارسلان، أو على الأرض من خلال القول إن جنبلاط ليس وحده من يمثّل الدروز. أي خلق أمر واقع، وإن كان اصطناعياً، لضرب نتائج الإنتخابات النيابية. فكان لا بد من إجراء هذه العراضات السيارة المؤيدة للنظام السوري وحلفائه في لبنان، والقول إن لديهم نفوذاً أو موطئ قدم في الجبل.
تحييد حزب الله
بدوره، جنبلاط المحافظ على العلاقة مع حزب الله، وفق مبدأ ربط النزاع، أرسى مفهوماً خاصاً به للتعامل مع هذا الفصل السياسي بين حزب الله في لبنان، والنظام السوري في سوريا. مع الحزب العلاقة مستمرة، واللجان المشتركة تعقد إجتماعاتها الدورية. لكن جنبلاط يحتفظ بموقفه المعارض بشدّة للنظام السوري، وهذا أمر لا يساوم عليه، وقد أبلغ الجميع به، وأعلن موقفه بشكل واضح، بأنه لن يعود إلى العلاقة مع بشار الأسد، لأنه يأبى إنهاء حياته بذلّ.
في الفترة الأخيرة، صعّد جنبلاط من مواقفه السياسية. اتهم النظام السوري وعلي مملوك بعرقلة تشكيل الحكومة، بالإضافة إلى اتهامه إيران باتخاذ لبنان رهينة. هذا الكلام يبقى في الإطار السياسي مع إيران وحزب الله، أما مع النظام السوري فيتخذ طابعاً آخر. لا يتوانى جنبلاط عن التذكير دوماً بأن مملوك، الممسك بالملف اللبناني، مطلوب للسلطات اللبنانية والقضاء بتهمة تنفيذ جرائم إرهابية. والموقف الأبرز له كان من القصر الجمهوري، إذ اعتبر أن علي مملوك يحاول العبث بالساحة الدرزية في لبنان، كما في سوريا. وهو الذي يوفر الحماية لأحد المتهمين بقتل مناصر للإشتراكي في الشويفات، وحينها قال جنبلاط إن على علي مملوك تسليم المتهم أمين السوقي إلى الأجهزة اللبنانية: “وإذا بيجوا الإثنين بيكون أحسن”.
هذا الموقف، بالإضافة إلى وصف سنّة الثامن من آذار بسنّة علي مملوك، لم يمرّ على نحو عابر لدى مسؤولي النظام السوري، الذين يبحثون عن أي فرصة للإنتقام من المختارة وسيدها. الأكيد أن جنبلاط يحيّد حزب الله عن كل ما يجري، لا سيما أن موقفه الحكومي لا يتعارض مع توجهات الحزب، بل هو وافق واقعياً على توزير سنّة 8 آذار. الرسائل أبعد من ذلك، وتتعلق بسعي النظام لتوجيه ضربة إلى جنبلاط في عقر داره.
حماية الدار والجبل
ليست المسيرات السيارة، التي كانت غايتها الوصول إلى المختارة ليل الخميس، إلا محاولة لـ”تسجيل النقاط” على جنبلاط، الأمر الذي منعه الإشتراكيون بعد تطويقهم الموكب التابع للمدعو وئام وهاب بين المعاصر والباروك. بقي الموكب محاصراً وممنوعاً من التقدم أو التراجع، إلى أن تدخل الجيش اللبناني وسط شروط من الإشتراكيين، بأن مناصري التوحيد لا يمكن أن يعودوا عبر قرى الشوف، أي لا يمكن مرورهم في الباروك ولا العودة إلى المعاصر، وبطبيعة الحال لا يمكن إستكمال الموكب لمسيرته باتجاه المختارة والمرور فيها. تولّى الجيش اللبناني إنهاء المشكلة، التي كان مخرجها بمغادرة هؤلاء بمرافقة الجيش نحو كفريا، فالبقاع الغربي ومنه إلى الجاهلية. الرسالة بالغة هنا. وكان يرددها أحد مسؤولي الإشتراكي، الذي اعتبر أن زمن المسيرات والإستفزازات في الجبل انتهى الآن، ولن يتم السماح بعد اليوم لأي طرف القيام باستفزازات في الجبل كما يحلو له. ردّ جنبلاط على الرسالة في عقر داره بحماية الدار، وكان متوقعاً أن الرد على جنبلاط سيأتي في المقابل، وأنه سيتلقى المزيد من الرسائل.
تسارعت التطورات فيما بعد، حين توجهت قوة من شعبة المعلومات إلى الجاهلية وعملت على تطويق منزل وهاب، لإبلاغه بمذكرة الإحضار للإستماع إلى إفادته، لكن وهاب لم يكن في منزله، ووقع اشتباك وتوتر بين أزلامه والقوى الأمنية، ما أدى إلى إنسحابها بعد تعذّر إحضارها لوهاب.
البعض يعتقد، إذا ما انتهت القضية بهذا الشكل ووفق الخطاب الذي تحدّث به، فسيحاول وهاب استثمار الحدث، لكسب التعاطف، وتحويل نفسه إلى “بطل” في أعين الدروز. بحيث يكون جنبلاط قد كسب الجولة على مواكب وهاب، والأخير كسب جولة عجز القوى الأمنية عن توقيفه، وبقاء الغطاء السياسي المؤمّن له من حلفائه “الأقوياء”.
جنبلاط الثوابت
كان جنبلاط قد قال لـ”المدن” إنه يؤيد الإجراءات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الرسمية، في بلدة الجاهلية، معتبراً أنها تقوم بعملها، لإبلاغ وئام وهاب بمذكرة صادرة بحقه عن القضاء، تقتضي بوجوب الإستماع إلى إفادته. وهذه الخطوة، تأتي بعد تمنّعه عن الحضور للإدلاء بإفادته. ويؤكد جنبلاط أن الشوف والجبل تحت سقف الدولة والقانون والقضاء، ولا يمكن السكوت عن ما يجري.
وعما إذا كانت هذه الإجراءات ستحوّل وهاب إلى “بطل” في بعض الأوساط الدرزية، بسبب هذه الإجراءات الأمنية، ينفي جنبلاط ذلك، ويقول لن يتحوّل إلى أي شيء. وعلى القضاء أن يأخذ مجراه. ولن يحظى وهاب بأي تعاطف، لأن الرأي العام الدرزي واعٍ، ولا يرضى بالخروج على الدولة والقانون، ولا يوافق على المسّ بالثوابت والتوازنات، ولا يتعاطف مع مطلقي الإهانات بحق الناس.
كتب منير النفاع – جريدة المدن