هكذا تقراء السياسة …
منذ العام 2012، بدأ ارتسام معالم الصراع في سوريا وعليها. بدأت عمليات تهجير منهجية إستناداً إلى القوة العسكرية. قادت المعارك إلى تدمير مدن ومحافظات بأكملها، وتهجير سكانها الأصليين. أكثر من نصف الشعب السوري أصبح مهجراً إما داخل بلده أو في أصقاع العالم. والسيناريو بدا واضحاً، من خلال الإتفاقات التي أجريت بموجبها عمليات ترانسفير مذهبي. في العام 2014، خرج وليد جنبلاط معلناً سقوط إتفاقية سايكس بيكو، وبأن حدودها تذوب، وهناك مرحلة جيوستراتيجية جديدة دخلتها المنطقة، تبدأ من سوريا، وقبل فترة يقول جنبلاط إن لبنان الكبير قد يذوب في سوريا الكبرى.
الصورة كانت واضحة، منذ إحراق كل السجلات العقارية في حمص، المحافظة الإستراتيجية في سوريا، والتي تشكل نقطة وصل بين كل المحافظات والعاصمة، ومنها تمتد الطريق إلى العراق شرقاً ولبنان غرباً. ومن بعد حمص، حصل التهجير في القلمون وريف دمشق وحتى في عمق العاصمة. تركزت عمليات التهجير على خطوط إستراتيجية بين لبنان وسوريا والعراق، بحيث تشكّلت أحزمة وخطوط إمداد آمنة. وسط صمت من قبل المجتمع الدولي. ليتبين فيما بعد أن ما يجري هو عبارة عن خطوات ممنهجة، تترجمها 3 مسائل أساسية.
المسألة الأكثر وضوحاً في ذلك هي القانون رقم عشرة الذي صدر قبل فترة. وما يوازيه أيضاً هو الإتفاق الروسي الإسرائيلي حول الوضع في الجنوب السوري، وموافقة الإيرانيين على الإنسحاب من هناك، هذا ما دفع أحد المتحدثين باسم الخارجية الروسية قبل أيام ليقول، إن الإتفاق جرى بعد موافقة طهران التي أكدت أنها ستنسحب لمنع التصعيد في المنطقة، ولأن ليس لديها نوايا عدوانية تجاه إسرائيل. حققت إسرائيل هدفها الإستراتيجي بالتوافق مع الروس والنظام السوري بحفظ منطقة الجنوب. ليأتي الإتفاق الروسي التركي حول إدلب، مكمّلاً لكل هذه المجريات والتطورات. العاصمة بيد العلويين مع النظام السياسي، الضغط على السويداء للتطبيع مع النظام على أسس مذهبية درزية، فيما السنّة يحصرون في الشمال السوري، وتحديداً في إدلب وبعض أجزاء حلب. ولهذه التقسيمات المذهبية، اخرى سياسية ودولية، بحيث تسيطر روسيا على الساحل، إيران في الوسط، تركيا في الشمال، وأميركا في الشرق.
يعتبر القانون رقم 10 هو التتويج التشريعي لكل سياق المعارك. قبل عشرة أيام، أجريت انتخابات الوحدات الإدارية والمحلية في سوريا. وهذا بموجب القانون رقم عشرة الذي أقره النظام السوري، ويطال مسألة إعادة التخطيط العمراني والسكاني في سوريا. أدت نتائج الإنتخابات إلى إكتساح النظام والمحسوبين عليه كل المجالس الإدارية وفي كل المحافظات. وجميع من فاز هم من البعثيين، وهذا ما درجت عليه كل نتائج الإنتخابات التي كان ينظّمها النظام السوري.
يأتي هذا القانون من ضمن مجموعة تشريعات صدرت منذ العام 2012، كل هذه التشريعات تصب في اتجاه فكرة إعادة الإعمار وإتاحة المجال أمام الوحدات الإدارية التابعة لوزارة الإدارة المحلية، لتقرير المناطق التي ستدرج تباعاً على لائحة إعادة الإعمار، كما أن هذه الوحدات بإمكانها تأسيس شركات قابضة هي التي تدير عملية إعادة الإعمار. ولكن من خلال شبكة النظام والمحسوبيات فيه، تكون قد تم وضع اليد على عملية إعادة الإعمار، وأي شركة ستدخل يجب أن تشارك هذه الوحدات.
وهذا يعني إضفاء الشكل العملي والقانوني والسياسي لإستمرار عمليات الفرز الديمغرافي. إذ بحسب ما ينص القانون في الفقرة ج، فإن الوحدة الإدارية تشكل بقرار من رئيسها خلال شهر من تاريخ صدور مرسوم إحداث المنطقة التنظيمية لجنة أو أكثر لحصر وتوصيف عقارات المنطقة وتنظيم ضبوط مفصلة بمحتوياتها من بناء وأشجار ومزروعات وغيرها مع أجراء مسح اجتماعي للسكان في المنطقة ولها أن تستعين بالصور الفضائية والجوية للاستناد إليها في عمل اللجنة واللجان الأخرى وينص قرار تشكيلها على المدة اللازمة لإنجاز عملها.
كما ينص على الطلب من المواطنين بالتصريح عن حقوقهم وعلى هؤلاء وكل من له علاقة بعقارات المنطقة التنظيمية أصالة أو وصاية أو وكالة أن يتقدم إلى الوحدة الإدارية خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإعلان بطلب يعين فيه محل إقامته المختار ضمن الوحدة الإدارية مرفقا بالوثائق والمستندات المؤيدة لحقوقه أو صور عنها “إن وجدت” وفي حال عدم وجودها عليه أن يذكر في طلبه المواقع والحدود والحصص والنوع الشرعي والقانوني للعقار أو الحقوق التي يدعي بها وجميع الدعاوى المرفوعة له أو عليه.
الأساس في هذا القانون والقطب المخفية فيه، تتمثل في خلق مشاريع جديدة من شأنها رسم معالم حدود المناطق الديمغرافية. فمثلاً في الإشارة إلى بناء الطرق والساحات والحدائق ومواقف السيارات والمشيدات العامة وتشمل مراكز الجهات العامة والمدارس والمخافر والمستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية ومراكز الإطفاء والمعابد “المساجد والكنائس” والمكتبات العامة والمراكز الثقافية والأماكن المعدة للآثار العامة والملاعب الرياضية ومراكز الرعاية الاجتماعية ومراكز التحويل الكهربائية ومحطات معالجة الصرف الصحي ومحطات ضخ مياه الشرب ومراكز الدعم المجتمعي وتسلم مقاسم المشيدات العامة إلى الجهات العامة دون بدل ويقع على عاتق تلك الجهات إشادتها. هذا يعني أن هناك قوانين استملاك ستصدر وهذه المباني قد تشيّد مكان مبان سكنية كان يقطنها أهلها، ما سيؤدي حتماً إلى عملية انتقال لهؤلاء من أراضيهم الأصلية إلى مناطق أخرى، سيختارها النظام.
والأخطر هو الجواز للوحدة الإدارية وضع اليد على الأملاك العامة ومقاسم المشيدات العامة والمقاسم المخصصة للمنذرين بالهدم الخالية من الأبنية بعد إحداث المنطقة التنظيمية ولها أن تضع يدها على الأملاك العامة ومقاسم المشيدات العامة المبينة بعد إنجاز تقدير المنطقة. وهذا أيضاً يمكن للنظام أن يرسمه وفق الخطّة الديمغرافية التي يريدها.
خاص- “الأنباء”
نقلا عن جريدة الانباء
https://anbaaonline.com/?p=669398