كُلّما يُحاول حليفا الأمس حزب “القوات اللبنانية” وتيار “المستقبل” إخفاء نار الخلاف تحت رماد الاعتبار الأميركي – السعودي، تقتحمه رياح الماضي الجارح ويعود الزمن إلى الوراء ليستحضر مرحلة اعتقال رئيس حكومة لبنان آنذاك سعد الحريري في السعودية، وتتحرك “بحصة” “القوات” مجددًا في حلقّ الحريري للحديث عن طعنات “الحكيم” لـ”الشيخ” عندما كان في الاعتقال عام 2017 ثم خلال استقالته في 2019 بعد أحداث 17 تشرين، وصولًا إلى تكليفه تأليف الحكومة العام الماضي.
بالأمس فاض الكأس بالاتهامات التي يطلقها رئيس “القوات” سمير جعجع باتجاه بيت الوسط، ما استدرج الأمين العام لتيار “المستقبل” أحمد الحريري للرد على جعجع بتحذيره من مغبة “العبث بالساحة السنية”، ويُستتبع السجال بسلسلة ردود وردود مضادة من قبل مسؤولي الطرفين. كلّ ذلك يجري عشية عودة الحريري إلى بيروت كما يُبشر نواب “المستقبل”.
فما خلفية هذا السجال الجديد القديم وأبعاده؟ وهل يعكس هجوم “القوات” الجديد على الحريري استمرار الموقف السعودي برمي “الحُرم” السياسي والمالي على الحريري؟ أم له علاقة باللعب في الساحة السنية بعدما نُمي لـ”معراب” في أعقاب زيارة الوزير السابق ملحم رياشي الى الرياض، بأن الحريري مُضعّضع انتخابياً ومتردد حيال المشاركة بالانتخابات، ولذلك يهدف جعجع لاستقطاب السنة الخارجين من “العباءة الحريرية”؟
لم يعد خافيًا حجم الخلاف وتضارب المصالح بين “المستقبل” و”القوات”، فمن حلفاء “المشروع” (14 آذار) بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إلى أخصامٍ ألداء في الداخل لا يلتقون إلا على بعض القضايا الخارجية.
فـ”القوات” تُعتبر “الحليف” الرئيسي للسعودية في لبنان، حيث أن السفير السعودي في لبنان المُعتكف عن الزيارات السياسية وحتى الرسمية منها، لا يتردد في المواظبة على زيارة معراب والإستئناس بلقاء جعجع!
وبالعودة الى مواقف “القوات” من الحريري منذ التسوية الرئاسية في العام 2015، فهي تأتي انعكاساً للموقف السعودي المعارض بشدة لهذه التسوية، واليوم موقف “القوات” قد يكون رسالة مشفرة غير مباشرة للحريري يعبر عن رفض مشاركته في الاستحقاق الانتخابي، وسط معلومات لـ”الجريدة” عن أن المملكة، ومنذ مدة غير قصيرة، نقلت للحريري عبر الامارات رفضها لمشاركة “المستقبل” بالانتخابات، وذلك لتشريع الساحة السنية أمام أطراف وشخصيات تفضل المملكة أن تتحالف مع “القوات” لتشكيل لوائح انتخابية تُمسك من خلالها بالتمثيل السني في لبنان، بعدما شقّ الحريري عصا الطاعة مرات عدة على المملكة وتمرد على “التوجيهات” السعودية والتي كان أولها رفض التسوية مع الرئيس ميشال عون ثم فك الهدنة وربط النزاع مع “حزب الله”.
وليس محضُ صدفة أن “القوات” تتحالف مع كل أخصام الحريري على الساحة السنية، لا سيما اللواء أشرف ريفي وكل أنواع التطرف السني، مع التذكير بمناشدة جعجع للمسيحيين أثناء “غزوة الاشرفية” في العام 2005 بعدم التعرض للمهاجمين بقوله: “هؤلاء حلفاؤنا”، وزيارة نواب حزبه لمقرات التنظيمات الإرهابية المسلحة في الجرود.
Www.druze.news
من مصلحة “القوات” اضعاف الحريري في الساحة السنية لضرب خط الاعتدال وتعويم “الحالة المتطرفة”، لكي تتسلل الى المجلس النيابي تحت عناوين ومُسميات “المجتمع المدني” وتكون “حصان طروادة” في مواجهة “حزب الله” من داخل المؤسسات، واستخدام هذه الحالة في جرّ السنّة الى فتنة مذهبية تخدم مشروع “القوات”. فالمستقبل لم يعد يصلح للعب هذا الدور والانخراط بالمشروع لاعتبارات عدة، فلماذا لا نُجرب “التطرف” الجديد بلباسه المدني بعد هزيمته عسكرياً؟..
لذلك يحاول سمير جعجع إقصاء الحريري و”المستقبل” لتسهيل دخوله إلى الساحة السنية، عبر تعميق الشرخ بين “المستقبل” وأخصامه في الساحة السنية، كالوزيرين السابقين اللواء أشرف ريفي ونهاد المشنوق وقوى متطرفة أخرى سياسياً ودينياً. كما أن من مصلحة جعجع وجود كتلة سنية غير “المستقبل” تدعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لعِلمه المسبق واليقيني بوقوع “الطلاق” مع الحريري بـ”الثلاثة”، فالعطّار الأميركي لم يعد يصلح ما أفسده جعجع في تاريخ وحاضر “المستقبل”، وإن تدخل لجمعهما انتخابيًا في اطار مشروع توحيد حلفائه لانتزاع الاكثرية النيابية تحت لواء مواجهة حزب الله.
Www.druze.news
يريد جعجع حشر الحريري بين خيارين أحلاهما مرُ: الانضواء في حلف المواجهة مع “حزب الله” تحت إمرة “معراب”، أو مواجهة “القوات” وأخصامه في الساحة السنية وانتظار الهزيمة الانتخابية!