«الدرزية» نسبة تعود بجذورها إلى نشتكين الدرزي أوّل الدعاة الذين أرسلهم الحاكم بأمر الله الفاطميِّ لينشر الدعوة للمذهب الجديد، الداعي الذي ما لبث أنْ ارتدَّ إثْر ادّعاء النبوة والدعوة إلى نفسه. وعلى الرغم من رفض المعتنقين لهذا المذهب الجديد ما عمد إليه نشتكين وتخلّصهم منه بعد أنْ قضى في ظروف غامضة كما يقول الدكتور عارف تامر في كتابه «معجم الفرق الإسلامية»، إلاّ أنّ «الدرزية» ألصِقَ بهم لصقَ قسرٍ لا إرادة.
ولعلّ التاريخ الذي مضى، وصُحُفه التي لا تخلو من أخبار المِحن التي مرّت على الموحدين أو بني معروف، ساهمت في شيوع هذا اللقبِ أو هذه النسبة، إذ عمد أتباع المذهب التوحيديِّ الجديد إلى التقيّة والسريّة في نشر الدعوة، لما لاقوه من قمع وتنكيل بهم، وعليه، مرّت فترات لم يكن من الممكن المجاهرة بالانتماء إلى التوحيد، فكيف بتصويب النسبة والدفاع عن الموحدين؟!
وعلى الرغم من ذلك، كان للموحدين وشيوخهم ومشيخة العقل عندهم دورٌ في التعبير عن رفض «درزيّ» أو «درزيّة» في خانة الهوية، أو التعريف عنهم بأنهم «دروز»، وجهادٌ لم يتوقف، ومنه رسميًا ما اجتهدت بالعمل عليه مشيخة العقل خلال فترة سماحة شيخ عقل الطائفة رحمه الله الشيخ محمد أبو شقرا، من محاولات هدفت أولاً إلى رأب الصدع بين المذاهب الإسلامية مع الشيخ حليم تقي الدين والمفتي محمد حسن خالد اللذين تعرّضا إلى الاغتيال إلى جانب العلامة السيد محمد حسين فضل الله، رحمهم الله جميعًا، وهدفت ثانيًا إلى شطب كلمة «درزي» من على الهوية وكتابة: مسلم موحّد… ولكن، وفي لبنان، لا تزال هناك قوى خفية سائرة في إزعاج الموحدين، وفي محاولات التدخل في شؤونهم الدينية، مما أبقى على هذه النسبة موجودة على الهوية حتى اليوم.
الغايات التي في نفس يعقوب إذًا هي التي جعلت لقب «درزي» سائدًا بدل «مسلم موحّد»، وهذه الغايات عينها هي التي حاولت قديمًا إخراج الموحدين من دائرة العروبة والإسلام، ونسبتهم إلى الكونت درو، أو إلى غيره، وهي التي لا تزال تحاول حتى اليوم إخراجهم من دائرة العروبة والإسلام، وتصويرهم كأتباع دين جديد.
وهنا، لا يمكننا ألاّ نشير إلى ما يساهم في نجاح بعض المُغرضين في إساءتهم للموحدين ورميهم بما ليس فيهم من قيمٍ وأخلاقٍ عربية أصيلة وإسلامية عرفانية، ألا وهو ضبابية تفاصيله بالنسبة لمن ليس من أهل التوحيد، وما يُبثُ من إشاعات مُغرضة تسيء إليهم، يغذيها للأسف جهل بعض أبناء الموحدين بأصول مذهبهم وثوابته وميثاقه من جهة، وما يحمله من بُغضٍ هؤلاء المُغرضين الذين لا يتورّعون عن التجنّي على الموحّدين، والقول عنهم بما ليس فيهم لاختلاف لم يتقبّلوه في ما اجتهدوا فيه من تأويل آيات القرآن الكريم، ومنها الاختلاف في حُكم تعدد الزوجات، وبيت الطاعة، والوصية وغيرها؛ على الرغم من أنَّ الاختلافات في التأويل والعمل بالأحكام هو الذي مكّن المذاهب من أنْ تتعدَّد في الإسلام وتتفرّع.
المسلمون الموحدون المعروفون ظُلمًا بـ«الدروز»، شيعة إسماعيلة، ألَّفوا بين المذهب الجعفري والمذهب الحنفي، وذهبوا أبعد في التأويل، وقالوا بأنَّ لكلِ ظاهر باطنًا علينا أنْ نفهمه، وَاسْتَقوا من الفسلفة منطقها وقياسها واستنباطها، ومن هنا كانت حكمتهم في فهم آيات القرآن الكريم وتفسيره، والاجتهاد في كثير من أحكامه، الأمر الذي قادهم إلى الابتعاد ظاهريًا عن المذاهب الشيعية والسنية الأخرى لا غير.
وهنا كذلك، يقفز سؤال إلى الذاكرة عن عدم الصلاة في المساجد وكيفية الصلاة، ويستدعي آخر: لماذا لا يتضمن كتاب التاريخ ما يجيب عن هذا السؤال؟!
إنَّ التاريخ إنْ سُئل سيجلو الجوابَ إذ سيقول: كان للمسلمين الموحدين جوامعُهم التي ترفع آذانها حيّ على الفلاح، في المختارة وفي بعقلين وغيرها من القرى الجبلية، إلى أنْ هدمها لهم الأمير بشير الشهابي الثاني ومُنعوا من بناء غيرها، وضيَّق عليهم في ممارسة شعائرهم الدينية؛ ومع مرور الزمن، تحوّل الواقع المُستجد إلى واقع دائم، وصارت «الخلوة» هي الجامع على الصلاة على طريق المتصوفين والزُّهاد.
إخراج المسلمين الموحدين من العروبة والإسلام بدأ بنسبتهم إلى نشتكين الدرزي ودُعِّمَ بما بُثَ حولهم من إشاعات لم يترفّع عنها مؤرخون «ثقة» كفيليب حتّي الذي تصدّى له الأمير شكيب أرسلان جدُّ وليد بيك جنبلاط لأمِّه، مفنِّدًا بالحجة ما أتى به فيليب حتّي، ومذكِّرًا بالسمات التي على مَن يتصدّى للتاريخ أنْ يتمتع بها، ألا وهي الأمانة التاريخية.
ولهذه الأمانة التاريخية، يجب الإشارة إلى أنّ الكثيرين لا سيّما اليوم، يتناولون المسلمين الموحدين في مؤلّفاتهم كالأديب سلام الراسي في كتابه «المعروف عند بني معروف»، أو برامجهم التلفزيونية أو التي تُبثُ عبر اليوتيوب، متسلحين بالأمانة العلمية، محاولين جَلْوَ ما عَلِقَ عنهم في الأفهام من مغالطات، والتخلص من العوالق المسيئة التي أُلصقت بهم وهي ليست منهم وهم ليسوا منها ولم يكونوا يومًا، ومن هذه البرامج التي أضاءت على إسلام الموحدين أو بني معروف وحقيقتهم برنامج «مختلف عليه» لمقدّمه إبراهيم العيسى وبرنامج «في فلك الممنوع» على قناة فرانس 24. إلى جانب البعض الذي تناول الموحدين أو بعض معتقداتهم أو قناعاتهم نقدًا وتحليلاً كالدكتور لطيف لطيف الذي درس التقمص في كتاب أسماه «التقمص وتذكر الحياة السابقة» (عودة الروح أم الذاكرة).
أنْ تنتمي للعروبة مسألة يؤكدها النسب التاريخي المتصل للقبائل التنوخية التي أتت إلى لبنان الذي وسّع فخر الدين المعني الثاني حدوده من جبل لبنان إلى لبنان الكيان الحالي، كحماة لثغور الدولة العباسية بأمر من الخليفة أبو جعفر المنصور بناءً على بأسهم في الحرب وقوتهم وشجاعتهم وإقدامهم، فأدُّوا المهَمَّة وأوفوا الأمانة. وأنْ تنتمي للإسلام مسألة يؤكدها واقع المسلمين الموحدين في سلوكهم الاجتماعي والديني والقيمي، ووثّقها الأزهر الشريف حديثًا، الأزهر الذي بناه الفاطميون أحفاد الإمام الحسين عليه السلام ومؤسسو مذهب التوحيد.
وفي دولة لا تزال حتى اللحظة دولة ديمقراطية، تحترم الطوائف الموجودة ضمن حدودها، يحق للمواطنين الذين يشكّلون جماعة «المسلمين الموحدين أو بني معروف» الذين يرفضون نسبتهم إلى نشتكين الدرزي شكلاً ومضمونًا، يحقُّ لهم أنْ يجتهدوا لتُشطبَ نسبة «درزية» و«درزيّ» من خانة المذهب، ويُثْبَتُ «مسلمة موحّدة» أو «مسلم موحّد» احترامًا لحقِّ الإنسان في تحديد ماهية وجوده وحقيقته، واسمه الذي يُعرف به ويكونُ له هُويّة.
«يا أيُّها المسؤول عن حقّي!! إذا
وفيتَـهُ، تَلْقَى رضًي وقبولا
إنْ لم تكن عن أمسِ مسوولاً، أما
أمسيْتَ عن غدٍ مسؤولا؟
أقْبِل على الإصلاحِ تبديلا
وتعديلاً وتنويلا يرى تعجيلا
ترفَعْ على أُسُسِ العدالةِ عاليًا
بُنيانَ قومٍ أُضجروا تعليلا!
(الشاعر عارف أبو شقرا)
…
منبر اللقاء_المعروفي
بقلم الكاتبه الدكتورة ليلى أبو شقرا