توجه منبر اللقاء_المعروفي إلى الأستاذ في العلاقات الدولية والقانون الدولي العام الدكتور ناصر زيدان بالسؤال :
خط ٢٩ ما حقيقيته ؟؟ أين هي ثروتنا النفطية ؟؟ ومن مسؤول عما وصلنا اليه اليوم ..
فقال زيدان :
ثروة لبنان النفطية… جريمة اهمال او تآمر أم حفلة شاي أميركية؟
د. ناصر زيدان
12/6/2022
في العام 2009 تأسست حركة حزب الشاي الأميركية، وكانت البلاد تعاني من اختناق اقتصادي بسبب افلاس البنوك وانهيار الأسواق المالية في العام 2008، وعادت الحركة بشعاراتها الى ما قبل 250 سنة، عندما فرض الإستعمار البريطاني ضريبة على الشاي المستورد الى أميركا، وقام المتظاهرون بحرق البواخر البريطانية التي تحمل الشاي. وقد نشأ حزب القهوة اليساري لينافس حزب الشاي، وحصلت عصفورية سياسية واجتماعية ساعدت في إيصال الرئيس دونالد ترامب للرئاسة في العام 2016، وقيل يومها أنه عام المجانيين، حيث ساد التفلُّت الذي كاد يقضي على قيم أعرق الديمقراطيات، لكن النفط ما زال علَّة العلل، في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، والفوضى وسوء الإدارة ما زالتا سبباً رئيسياً في توليد الفقر العوز.
ما يحصل في لبنان اليوم على خلفية ترسيم الحدود الإقتصداية البحرية، يُشبه حراك العام 2009 لحزب الشاي في الولايات المتحدة الأميركية، والحزب اتهم في حينه أنه مدعوم من شركات النفط، مع فارق أن الأميركيين يومها كانوا قد خرجوا من أزمة 2008، ويبحثون عن مقاربات جديدة تضمن تحررهم من سطوة الإدارة وتؤمن لهم ضمان صحي ومعيشي، بينما يعاني اللبنانيون اليوم من جحيمٍ معيشيٍ ليس له مثيل، بينما البلاد قد تكون عائمة على مستنقع نفط وغاز يفكُّ “مشانق” الجوع والعوُز.
في 24/8/2010 صدر قانون النفط رقم 132 وهو يعالج كافة جوانب استثمار الثروات الواعدة. وفي العام 2011 خرج المرسوم 6433 الذي يحدد المساحة الاقتصادية البحرية للبنان، وتمَّ تكليف رئيس مجلس النواب نبيه بري لوضع إطار خطة تفاهم مع الوسيط الأميركي، على أن تبقى بعض مناطق النزاع مع العدو الإسرائيلي، وفي الشمال قيد التفاوض، وفقاً للأصول المعتمدة في القانون الدولي، ولاسيما قانون أعالي البحار الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1982.
في زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في شباط الماضي حصل نوع من التفاهم بين الرؤوساء الثلاثة على توزيع مغانم البحر الغازية على الحدود، يقضي بإستفادة لبنان من كامل حقل قانا الواعد، ويستفيد العدو من حقل كاريش الى الجنوب. لكن بعض دوائر الحكم أفشلت إعلان الاتفاق، لأنها رهنت موافقة الرئيس ميشال عون عليه برفع العقوبات الأميركية عن صهر الرئيس النائب جبران باسيل، كما أعلن عن ذلك جهاراً نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، الذي كان ينتمي الى الفريق السياسي ذاته.
استقدام إسرائيل لمنصة سحب وتخزين الغاز “باور أنرجين” الى جنوب حقل كاريش، أثار جدالاً سياسياً كبيراً في لبنان، وترافق مع هذا الجدال بث معلومات تحمل خلفيات تعطيلية واضحة، لأن العميد بسام ياسين رئيس الوفد اللبناني الذي فاوض العدو الإسرائيلي برعاية أميركية في الناقورة، غيّر آرائه، وعاد للحديث عن الخط 29 كحدود بحرية، بينما كان هذا الخط ورقة تفاوضية في السابق، والخط كانت قد رسمته شركة بريطانية مستندةً الى منطق الإنطلاق من زاوية مستقيمة من آخر نقطة صخرية في الناقورة، لكن تعرجات الخط ليس فيها تأكيدات دامغة، وبالتالي قد لا يربح لبنان إذا ما أحيل الملف للتحكيم الدولي. والتجارب الدولية في هذا السياق؛ تعطي أهمية للثروات الباطنية، وليس للمساحة، لأن ملكية المياه الاقتصادية ليست كألمياه الإقليمية المحددة ب6 أميال، بل أنها بحار دولية مفتوحة لعبور جميع السفن.
تأخرت الدولة اللبنانية عن تقصير او عن قصد، او ربما بسبب إرتباط مع جهات خارجية في تلزيم الحفر في البلوكات اللبنانية لأكثر من عشر سنوات، لاسيما في البلوكات الواعدة رقم 1 و2 و8 و9 و10، والدولة أصرَّت لأسباب سياسية على أن يبدأ الحفر في البلوك رقم 4 مقابل قضاء البترون في شباط 2020، ولم نعرف بعد النتائج الموضوعية الموثوقة عن هذه الحفريات. بينما إسرائيل ومصر وقبرص حضروا ملفاتهم وبدأوا بالإستثمار من مخزونهم خلال هذه الفترة.
حفلة شاي سلطوية وتغييرية تقام على شواطئ لبنان الجنوبية، وتُطلق فيها كل أنواع المقايضات والمزايدات، بينما المطلوب البدء الفوري بتلزيم الحفر والشروع في استخراج الثروات، وإبقاء التفاوض على نقاط الخلاف العالقة، فحاجة اللبنايين للإنقاذ المالي لا تقبل أي تأجيل، والظروف الدولية المحيطة لا تسمح بالحروب حالياُ، وهي إشارة انطلقت خصوصاً من تصريح السيد حسن نصر الله الذي أبدى الإستعداد للتصدي للعمليات الإسرائيلية، ولكنه القى بالمسؤولية على الدولة في اتخاذ قرار تحديد ما اذا كان عمل باور انيرجين معادياً أم لا، وكلامه يحمل الكثير من التفسيرات، لأنه اعتاد في السابق أن يتخذ قرار المواجهة من دون العودة للدولة. ثمةَ قطبة مخفية، ولكن ثمةَ فرصة للبنانيين للإستفادة وبدء الإستثمار.
منبر اللقاء_المعروفي بقلم د. ناصر زيدان
أستاذ في العلاقات الدولية والقانون الدولي العام