لبنان
بين الوظيفة الدلالية للشعارات الانتخابية والواقع
يقتربُ موعد الانتخابات النيابية، وباقترابه تقفز إلى الذاكرة بعض الشعارات التي أُطلقت في الانتخابات النيابية العام 2018م.؛ فالشعارات كانت -والحقُّ يُقال – باعثةً على التفكير لو أحسنَ اللبنانيون تلقِّيها بعيدًا عن اتجاهاتهم الفكرية الطائفية، لأنّهم لو أبعدوا الطائفية كمنطلقٍ لفهم الشعارات لكان من الممكن فهم عدم صلاحية دلالات الشعارات التي أُطلقت في تغطية مساحة لبنان الجغرافية، ومناطق النفوذ التي رُسمت كما رُسمَ ذاك الخطُّ في الرمال…
كلُّ شعار كان يحاكي فئة معينة، يدغدغ وترها الطائفيّ ليؤمن النجاح في الانتخابات في ظلِّ توازن مصالح بين القوى الفاعلة على الساحة. ومن سخرية الأقدار، أنّ الحراك الذي بدأ في السابع عشر من تشرين لم يتمكّن من أن يؤمن لوائح موحّدة له الأمر الذي يؤكد أنَّ اللبنانيَّ لا يتمكّنُ من خلع عباءة الطائفية والمناطقية وإنْ نادى بالعلمانية، وأنَّ الكراسي محكومة بلعنة أشبه بلعنة الفراعنة، وأنَّ الشعارات دلالات لا واقع لها يحاكيها…
«معكن والسما زرقا» بقيت السماء زرقاء واستودع الأزرق جمهوره واللبنانيين؛ «بحبك يا لبنان» لم تتعدَ حدود صوت فيروز؛ «صار بدّا دولة مش دويلة» فصار مصير الدولة على كفّ عفريت؛ «مكملين ما في شي بيوقفنا» كلُّ شيء توقف ولم يكمل إلاّ ذلّ اللبنانيين وتردي الوضع الاقتصادي؛ «نبض التغيير» لم يحدد فاعلية النبض فإذا بالتغيير يقعُ تقهقرًا لا ريادةً؛ «لبنان الأمل» بقيَ شعارًا على ورق في ظل اليأس الذي يعتري اللبنانيين اليوم؛ «حلو الوفا» صُنع منسيًا من السكر فكان مرًا كالعلقم؛ «نحمي ونبني» لم يحمِ بيروت والبناء فيها دمار؛ «شبعنا حكي» تبيّنَ أنّه جوعان لأنّ اللبناني لا يُغذّى إلاّ بالكلام؛ «لبنان القوي» مع ما يمرُّ به من أزمات وتشرذم صار لبنان الضعيف؛ «نحنا الخرزة الزرقا» لم تتمكّنْ من إيجاد الرقوة الصحيحة لعكس النحس وحماية لبنان من العين الحاسدة؛ «ضمانة الجبل» نسيَتْ أنْ لا ضمانة لجبلٍ من دون وطن؛ «إيد بإيد صوتك للمصالحة» تاه فيها الصوتُ في النزاعات بين الأفرقاء؛ «نحنا امبارح ونحن بكرا، معكم منغيّر وما منتغيّر» انعكست فيها الآية، فنحنُ الأمس أفضل من اليوم والتغيير استحضر القرون الوسطى…
الشعارات أُطِّرت بالمكان والزمان الواقعين، ووُجّهت إلى جمهور محدد، وحيكَتْ على مقاس الكراسي، والمنسيُّ في كل الأحوال هو الوطن… والمواطن الذي لم يتعوّد تعريف نفسه إلاّ من خلال الحزب والطائفة كيف يمكن له أنْ ينتقل إلى الحقل المعجمي للوطنية؟ كيف له أنْ يُدركَ أنّ الجغرافيا متغيّرة كما التاريخ، وأنَّ الأوطان لا تُبنى إلاّ بالانتماء إليها أولاً وأخيرًا؟ كيف له أنْ يعي أنَّ السياسة متغيرات على هوى المصالح والأفراد فيها بيادق؟ كيف ينتقل من الهتاف بالموت «فداءً للزعيم» إلى «فداءً للوطن»؟ كيف ينتقل من تقليص الوطنِ وحصره في شخصٍ إلى دعوة الشخص لأنْ يكون على مستوى الوطن؟ كيف له يحقق التغيير الذي يريد وهو يعيش في غياهب الأمس؟ كيف له أنْ يحصّنَ الوطنَ وقد ألقى باللقاحات الصالحة في غياهب جيوب النسيان؟ والأهم، كيف له أنْ يسلّم ولده شعلة منيرة يرتقي بها بفضله الغدُ وهو لا يقبضُ إلاّ على الجمر والنيران؟
تقتربُ الانتخابات النيابية، وقد تعوّد من يحملون الجنسية اللبنانية على أنْ يتمَّ تعبيد الطرقات أو تزفيتها قبيل كل انتخابات، فعسى أنْ يقتصر الزفتُ على الطرقات، وأنْ يتمَّ تعبيد الصلات بين القلوب بالمحبة، وأنْ تُمحى الطائفية وتُدفن ليرى كلٌّ في الآخر مرآته، ويرى فيه امتدادًا لإنسانيته التي يغتني بها ويزدهر، وأنْ يتمسّك بالوطن لأّنه وحده الوجود والأمان، وأنْ تنطلق العجلة متمكّنةً بأفعال لا بشعارات…
منبر اللقاء_المعروفي/د. ليلى أبو شقرا