نقلا عن موقع جنوبية .. كما وردت حرفيا .
كان من المفيد أن يتداعى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى للنظر في قضية تجاوزات الإعلام للقيم الأخلاقية، وفق تصريحات المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الذي زار مؤخراً مفتي الجمهورية اللبنانية وغبطة البطريرك الماروني في بكركي، حاملاً في جعبته همّ التجاوزات الأخلاقية في بعض وسائل الإعلام، داعياً إلى عقد قمة للمرجعيات الدينية في لبنان للبحث في هذه القضية، واتخاذ الموقف المناسب تجاهها بما يحمي المجتمع.
في معزل عن صلاحية المفتي الممتاز في هذا الشأن أو عدم صلاحيته، فقد أبدت أوساط داخل المجلس الشيعي استهجانها من عدم مبادرة المفتي قبلان لطرح هذه القضية على المجلس الشيعي، ليتم الدعوة إلى اجتماع الهيئتين الشرعية والمدنية لاتخاذ الموقف المناسب، وتبني القضية المهمة التي يرفعها اليوم المفتي قبلان، لا سيما أن أي دعوة لهاتين الهيئتين لم تتم منذ أشهر.
ولفتت المصادر إلى أنّ أعضاء الهيئتين ومنهم نواب ووزراء لحزب الله وحركة أمل، فضلاً عن رجال دين، سيكونون في مقدمة المدافعين عن القيم الأخلاقية التي تمسّ من قبل محطات تلفزيونية.
اقرأ أيضاً: اقتراحات قانونية لتطوير عمل الإفتاء الجعفري
تحرك المفتي الممتاز لم يتضح إن كان بصفته الشخصية، أو بتكليف من والده رئيس المجلس الإسلامي الشيعي (عافاه الله وأطال بعمره)، خصوصا أنه لم يورد في تصريحه أنه مكلف من والده، ولعل ما خلص إليه اجتماعه مع البطريرك بشارة الراعي وما قاله المفتي الممتاز نفسه، يضع الأمور في نصابها.
ربما كان الراعي دقيقا ومنسجما مع موقعه عندما قال إن مايجب الاهتمام به اليوم هو تشكيل الحكومة وإزالة العراقيل من أمامها، ولم يجد غضاضة في أن يحمّل المفتي قبلان رسالة إلى مسؤولي حزب الله، تتضمن مطالبته بلعب دور إيجابي في إزالة العقبات أمام تشكيل الحكومة.
ربما المفتي قبلان لا يعتبر أنه معني بقضية قيام حكومة في لبنان، قدر عنايته بالأخلاق في الإعلام، وياليته يولي اهتماما مماثلا بالتخفيف من ضرر الإيحاءات السياسية في مديح الأحذية وعبادة الزعماء وتأثيرها على الناشئة وعموم الطائفة، قدر التفاته لأضرار الإيحاءات غير الأخلاقية، التي وإن تضمنت تجاوزا لحدود الحرية، ولكنها تبقى أقل تفلتا من التجاوزات التي يشهدها اللبنانيون في المؤسسات الدستورية والدينية الرسمي..
ولعل المفتي الممتاز قبلان، اقتنع بتصويب البطريرك للقضية، أي لجهة ضرورة التركيز على الدفع نحو تشكيل الحكومة، بسبب ما يؤدي إليه التعطيل من كوارث وأزمات تطال وجود الدولة ومؤسساتها.
لو كانت الأمور غير ذلك ما كان البطريرك يصر على تحميل المفتي الشيعي رسالة مباشرة إلى حزب الله متجاوزا الاعتبارات البروتوكولية.
تحميل المفتي رسالة من البطريرك الى والده مثلاً، فهذا أمر محمود ومشرف، أما أن ينقل رسالة إلى حزب سياسي فهذا لا يليق بالمقام الذي يمثله.
يمكن بعد الدرس الذي قدمه البطريرك الراعي حول أولويات بنود أي جلسة لقمة دينية لبنانية تعقد اليوم، أن يرد الشيخ قبلان بلباقته المعهودة وتقديره الدقيق قائلا نحن قوم لا نهتم بشأن الحكومات وليست من مهماتنا، لذا أوفد مندوبا من قبلك إلى قيادة حزب الله، وبلغهم ما تشاء.
يمكن للشيخ أن يتابع بكل احترام كلامه بأن أولويته، كمفتي الشيعة اليوم، حماية المجتمع ومنهم الشيعة، من الإساءات اللاأخلاقية التي يمارسها بعض المتجاوزين على شاشات التلفزة، اللهم إلا إذا كان مفتينا لا يرى ضيراً في أن يتحول إلى ناقل رسائل لحزب هنا وهناك، وهذا ما لا نتمناه له، ولو كان هذا الحزب اسمه حزب الله. يبقى أن اللياقات والمجاملة كان يجب أن تبدأ من المجلس الشيعي الذي ربما هو من كان عليه أن يتوجه بالخطاب إلى بكركي، وكان ذلك يتطلب دخول البيوت من أبوابها، وطالما أن ذلك لم يحصل فكان حري بالمفتي أن يتمسك بموقفه الداعي إلى جمع المرجعيات الدينية لتبحث قضية الإعلام وتجاوزاته للقيم.
اقرأ أيضاً: إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشيعي(٢): نظرة على الإفتاء الجعفري
كان على سماحة المفتي الممتاز، أن يستشير المجلس الشيعي بشكل رسمي قبل المبادرة إلى هذه الخطوة، حتى لا يبدو أن سماحته، كممثل للطائفة الشيعية في موقفه، مهجوساً بتجاوزات الإعلام وإيحاءاته الجنسية، أكثر من اهتمامه بمصير الحكومة والدستور وأحوال الناس المتضررة من تجاوزات أهل السياسة.
ما لا يجب أن يغيب عن بال مفتينا الممتاز، أننا نحن، رعية هذه الطائفة، يحق لنا التعبير عن رأينا في ما يُنطق باسمنا، وفي ما تصرف لأجله الأموال من ضرائب مفروضة على المجتمع بل من ديون تستلف باسمه، وعليه فإن من حقنا أن نقول “ما هكذا تورد يا مفتينا الإبل”.